هشام أيت منة الذي رقص على جراح مدينته: من فرحة الأهداف إلى عقوبة الجمعيات!
م-ص
يبدو أن هشام أيت منة لم يُخفِ ما وصفه البعض بـ”الفرحة الصبيانية”، والتي وثقت بوضوح خلال مباراة فريق الوداد البيضاوي ضد شباب المحمدية، الفريق الذي يمثل المدينة التي أنجبته وأوصلته إلى رئاسة مجلس جماعتها. تلك الفرحة تكررت -وكما أشرنا سابقًا- ثلاث مرات، عقب كل هدف من الأهداف الثلاثة التي هزت شباك فريق مدينته، وكأنها “نشوة انتصار مزدوجة”، انتهت بإعلان النتيجة النهائية لصالح فريقه: 3-2.
لكن هنا، السؤال الذي يفرض نفسه: هل يحق لرئيس جماعة أن يضع نفسه في موقف كهذا؟ أن يحتفل علنًا وبطريقة مبالغ فيها بفوز فريقه على فريق يمثل مدينة حملته على أكتافها إلى مناصب القرار؟ هذه ليست مجرد مباراة رياضية، بل اختبار صغير لمستوى النضج السياسي والإنساني الذي ينبغي أن يتحلى به كل مسؤول في مثل هذا الموقع.
المفارقة الأكبر أن هذه الفرحة لا تُقرأ فقط كتصرف شخصي، بل كرّست في الأذهان صورة “رئيس منحاز” يفضل مصالحه الشخصية على مصالح مدينته. كيف يمكن للساكنة أن تثق في من يحتفل بهزيمة رمز رياضي من رموز هويتهم؟
إن كان من دروس يُستخلص من هذه الحادثة، فهو أن المنصب يتطلب حكمة وتعقلاً، وليس انسياقًا وراء الأهواء. فالفرحة في كرة القدم يجب أن تكون خالصة للرياضة، لا مشوبة بمواقف قد تُفهم كاستفزاز أو تقليل من شأن الآخرين. في النهاية، شباب المحمدية لا يمثل مجرد فريق رياضي، بل جزءًا من ذاكرة المدينة وقلبها النابض، ولا يليق بمن يرأسها أن يحتفل بسقوطها، ولو كان ذلك في ملعب كرة القدم.
نقول هذا ويبدو أن هشام لم يكتفِ بالتعبير عن فرحته الباذخة، بل قرر أن يُحوِّل فوز فريقه إلى فرصة لتصفية حسابات جماعية مع ساكنة المحمدية التي يرأس مجلس جماعتها. فبدل أن يستثمر هذا المنصب في تعزيز الروح الرياضية وترسيخ مفهوم التضامن المحلي، اختار انتهاج سياسة “العقاب الجماعي”، ليُجمّد المنح المخصصة للجمعيات المحلية.
هذا القرار لا يعكس إلا قصر النظر والافتقار إلى الحس السياسي الناضج. فالمنح ليست أموالاً شخصية يحق له التلاعب بها كما يشاء، بل هي مورد عام مخصص لدعم النسيج الجمعوي بالمدينة، وهي شريان حياة الجمعيات التي تعمل في ميادين الثقافة، الرياضة، والتنمية الاجتماعية.
ما الذي يمكن أن يُبرر حرمان المحمدية وجمعياتها من موارد مستحقة؟ أهو شعور “بالانتقام” المبطّن؟ أم محاولة لاستعراض عضلات سلطته في وقت لا يحتاج فيه المواطن إلا إلى خدماته ووفائه بواجباته؟
درس قاسٍ: المنصب أمانة، وإدارة الشأن المحلي ليست ملعبًا للمناكفات الشخصية أو السلوكات المزاجية. إذا كانت الرئاسة في كرة القدم تملأ النفس غرورًا، فمجلس الجماعة يتطلب عقلانية وحنكة.
على هشام أيت منة أن يتذكر أن سكان المحمدية لا يحتفلون بالأهداف، بل ينتظرون توفير الخدمات، وصيانة المرافق، وتفعيل مشاريع التنمية التي وعدهم بها. المنح ليست وسيلة للانتقام؛ إنها حق يُدافع عنه من أجل صالح المجتمع.
تجميد المنح ممارسات تُذكّرنا بعصور تجاوزتها الدول الحديثة. إن لم يكن باستطاعته إدارة ملفات المدينة بحيادية ومسؤولية، فمن الأفضل أن يُفسح المجال لمن يدرك أن رئاسة الجماعة ليست مباراة كرة قدم، بل عقد ثقة مع المواطنين.
إن هذا السلوك، الذي أثار استغراب الكثيرين ورفضهم، قد وجد استحسانًا لدى قلة قليلة، وهؤلاء هوايتهم المفضلة هي تصيد أخطاء الرئيس ليس حبًا في المحمدية ولا دفاعًا عن مصالحها، بل رغبة مكشوفة في الركوب على هذه الهفوات لتحقيق مكاسب انتخابية ضيقة. إنها حملات “انتخاباوية” تتكرر بنفس الأساليب البالية، محاولة استغلال كل موقف لتعزيز شعبيتها دون تقديم أي بدائل حقيقية.
لسنا هنا في صف الرئيس الذي قد يكون أخطأ في تصرفاته، كما لسنا مع أولئك الذين اشتهروا بإتقان شعارات زائفة، ممن اعتادوا “سلب أكل الأطفال” بحجة أنهم سيعلمونهم كيف يأكلون الجِمال! فكلا الطرفين يعكس وجهاً لعملة واحدة، حيث تضيع مصلحة المدينة بين حسابات سياسية ضيقة، وصراعات لا تخدم إلا أصحابها.
المحمدية تستحق الأفضل؛ تحتاج إلى مسؤولين يُقدّرون ثقل المسؤولية ويضعون مصالح المدينة فوق كل اعتبار، بعيدًا عن الأهواء الشخصية أو الحسابات الانتخابية.