العزوبية في المغرب: بين أزمة الـ8 ملايين امرأة وحلم زواج الأربعة!
دابا ماروك
أزمة اجتماعية أم فرصة للابتكار؟
لنتفق أولاً أن العزوبية ليست مجرد حالة اجتماعية؛ إنها فلسفة حياة يعتنقها البعض طواعية، ويجد فيها الآخرون أنفسهم دون سابق إنذار. بيد أن المغرب اليوم يشهد أرقامًا مرعبة بخصوص العزوبية، حيث تُشير التقارير إلى أن عدد النساء غير المتزوجات تجاوز 8 ملايين، أي حوالي 60% من النساء في سن الزواج. في الجهة الأخرى من المشهد، هناك الرجال، الذين – كما تشير الإحصائيات – يزداد عددهم يومًا بعد يوم في قوائم العزوبية، وإن كانوا يحاولون إخفاء الأمر خلف شعارات الحرية الفردية أو الالتزامات المهنية.
لماذا كل هذا الفراغ العاطفي؟
أولاً، علينا أن نكون صادقين. نحن لا نتحدث عن “الشبان الغارقين في استهلاك المخدرات”، فهؤلاء يعيشون في عالمهم الخاص الذي لا يعترف بأرقام الإحصائيات ولا بتقارير المكاتب الوطنية. نحن هنا بصدد الحديث عن “الشبان الطبيعيين” و”النساء العاديات”، أي أولئك الذين ما زالوا يضعون الزواج ضمن أهدافهم البعيدة، لكنه يبدو أقرب إلى حلم شراء شقة في وسط الدار البيضاء؛ ممكن نظريًا، مستحيل عمليًا.
العزوبية في المغرب ليست اختيارًا فرديًا بقدر ما هي نتاج لظروف اجتماعية واقتصادية معقدة. فالنساء يُلقين باللوم على الرجال الذين لا يُبدون رغبةً كافية في الالتزام، بينما الرجال يرون أن النساء أصبحن أكثر استقلالية وأقل تقبلاً لفكرة “الزواج التقليدي”. وبين هذا وذاك، يرفع المشرع المغربي سن الزواج إلى 18 عامًا، وكأن المشكلة تكمن فقط في السن، متجاهلًا البطالة، غلاء المعيشة، وتأثير المسلسلات التركية على تطلعات الشباب في العلاقات.
زواج الأربعة: حل سحري أم وصفة لكارثة؟
وهنا يظهر الاقتراح “الجريء” والمثير للجدل: إذا كان عدد النساء غير المتزوجات يتجاوز 8 ملايين، فهل يمكن أن يكون الحل هو تشجيع كل رجل على الزواج بأربعة؟ يبدو هذا الطرح مثيرًا للضحك، لكنه يدعونا للتفكير. تخيلوا، لو أن كل رجل مغربي قرر الزواج بأربع نساء، سنحتاج فقط إلى حوالي 2 مليون رجل لحل أزمة 8 ملايين امرأة. المشكلة؟ الرجال أصلاً في أزمة، بالكاد يستطيع الواحد منهم تحمُّل مسؤولية نفسه، فما بالك بأربع نساء!
وبافتراض أن هذا الحل السحري تحقق، سنواجه مشاكل جديدة. من سيدفع المهور؟ ومن سيوفر الشقق؟ وأين سنجد الوظائف لإطعام هذا العدد الهائل من العائلات؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستعيدنا مرة أخرى إلى نقطة الصفر: الزواج في المغرب ليس مجرد عقد اجتماعي، إنه مشروع اقتصادي معقد يحتاج إلى ميزانية تنافس ميزانيات الدول.
النساء بين الحلم والاستقلالية
النساء المغربيات اليوم يواجهن تحديات غير مسبوقة. فمع زيادة التعليم وانفتاح سوق العمل، أصبح الكثير منهن يرون في العزوبية فرصة لتحقيق الذات بدلاً من النظر إليها كوصمة اجتماعية. لا عجب إذن أن نجد بعضهن يصرحن: “أنا لست في حاجة إلى رجل ليُعرّفني، بل في حاجة إلى مجتمع يحترم خياراتي”. لكن، وبينما تبدو هذه الكلمات جميلة في سياق الحوارات الثقافية، فإنها لا تعفي المجتمع من المسؤولية تجاه خلق توازن بين الفردية والتقاليد.
الرجال وضياع البوصلة
أما الرجال، فمشكلتهم مختلفة. هناك من يعيشون العزوبية كاختيار واعٍ، وهناك من فرضتها عليهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن بعضهم يبررون عزوفهم عن الزواج بعبارات مثل “لا أريد القيود”، أو “الزواج مكلف جدًا”. هؤلاء ربما نسوا أن الزواج ليس فقط مشروعًا ماليًا، بل هو أيضًا تحدٍّ اجتماعي وإنساني يتطلب شجاعة والتزامًا.
المطالبة بتقديم حوافز للزواج
في النهاية، إذا كنا سنأخذ هذا الوضع بجدية، فقد نقضي على البسمة في وجوهنا جميعًا. لذا، لنجعل السخرية رفيقتنا في هذا النقاش. ربما علينا أن نطالب الحكومة بتقديم حوافز مالية للزواج، تمامًا كما تقدم حوافز للاستثمار في العقارات. وربما، على الشركات أن تبتكر تطبيقات جديدة للعلاقات تهدف إلى “توفيق الشراكات” بين العازبين بنفس كفاءة التطبيقات العقارية.
أو ربما نحتاج إلى مبادرات مجتمعية شجاعة. تخيلوا تنظيم “مهرجان العزوبية”، حيث يجتمع الرجال والنساء في أجواء مرحة، ويتبادلون الأفكار حول الحياة والزواج بدون ضغوط. إذا لم ينتج عن هذا المهرجان زيجات، فعلى الأقل سنحصل على ذكريات جميلة و”فولو” جديد على إنستغرام.
ختامًا
الزواج ليس نهاية المطاف، والعزوبية ليست جريمة. ما نحتاجه حقًا هو إعادة التفكير في منظومتنا الاجتماعية والاقتصادية، وتشجيع الحوار المفتوح بين الجنسين. فالهدف ليس “تزويج الجميع بأي ثمن”، بل خلق مجتمع يُقدّر الخيارات الفردية دون أن ينسى مسؤولياته تجاه المساواة والعدالة الاجتماعية.