
رجل التعليم في المغرب: بين أمجاد الماضي وضغوط الحاضر
دابا ماروك
خلال السبعينيات من القرن الماضي، كان رجل التعليم في المغرب يشكل رمزًا للأخلاق والعمل الجاد، وكان يُنظر إليه باحترام وتقدير كبيرين داخل المجتمع. فرغم أن أجرته كانت متواضعة، إلا أن القدرة الشرائية حينها كانت تسمح له بالحفاظ على مظهر لائق يعكس مكانته، من ارتداء البدلة الرسمية وربطة العنق إلى اقتناء سيارة تعبر عن احترام الذات.
رجل التعليم في تلك الفترة كان يعتبر مستشارًا موثوقًا يلجأ إليه الأهالي لحل النزاعات، ومرجعًا في القضايا الاجتماعية والثقافية. لم يكن دوره مقتصرًا على التدريس داخل الفصل الدراسي، بل امتد ليشمل التأثير في النسيج الاجتماعي ككل. ذلك الزمن شهد رجالات تعليم يحملون على عاتقهم رسالة سامية، في وقت كانت فيه مهنة التدريس تعبيرًا عن قيم العطاء والتضحية.
مع مرور العقود، تغيرت ملامح هذه الصورة تدريجيًا. فمع تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، بدأت الفجوة بين متطلبات الحياة والراتب الشهري تتسع. رجال التعليم الذين كانوا رمزًا للأناقة والنظافة، بات الكثير منهم يواجهون تحديات مادية تضطرهم للتخلي عن تلك الصورة المثالية.
إضافة إلى ذلك، فإن انتقال عدد كبير من رجال التعليم للعمل في القرى النائية والمداشر ساهم في تغيير نمط حياتهم ومظهرهم. هؤلاء المدرسون وجدوا أنفسهم في ظروف قاسية، يرتدون أحذية بلاستيكية طويلة لمواجهة الوحل، ويقطعون مسافات طويلة في طرق غير معبدة للوصول إلى مدارسهم. ورغم التضحيات الكبيرة التي يقدمونها، غالبًا ما يغيب التقدير الذي كانوا يحظون به في الماضي.
من جهة أخرى، لا يمكن إغفال تأثير بعض الممارسات السلبية التي ظهرت داخل القطاع، مثل التغيب غير المبرر عن العمل أو التهاون في أداء الواجبات المهنية. هذه المظاهر ساهمت في تآكل الصورة النمطية المشرقة التي كان يتمتع بها رجل التعليم، رغم أن الأغلبية ما زالت تلتزم بأخلاقيات المهنة وتعمل بجدية في ظروف صعبة.
اليوم، وفي ظل الحديث عن إصلاح التعليم والرفع من جودة الخدمات، يجب أن يكون تحسين أوضاع رجال التعليم أولوية قصوى. لا يمكن استعادة مكانة التعليم دون إعادة الاعتبار للمدرسين والمتقاعدين وضمان كرامتهم، سواء من خلال تحسين الأجور أو توفير بيئة عمل محفزة. كما أن استرجاع ثقة المجتمع يتطلب تعزيز القيم الأخلاقية داخل القطاع وتقدير الجهود التي يبذلها المعلمون بصمت من أجل بناء الأجيال القادمة.