
في ظلال الحانات الرخيصة: رحلة إلى عالم المتسولين الفاشلين وبحثهم عن معنى زائف
دابا ماروك
موضوع المتسولين في الحانات الرخيصة والمحيط الذي يحيط بهم هو موضوع عميق يعكس جوانب مظلمة من الحياة الاجتماعية والنفسية. يمكننا النظر إليهم من زوايا عدة: الحاجة المادية، والعزلة النفسية، والعلاقات البشرية المتشابكة.
في العديد من الأحيان، يختار هؤلاء الأفراد البقاء في أماكن مثل الحانات الرخيصة لا لأنهم يحبون الجو أو الثقافة التي تحيط بها، بل لأنها توفر لهم هروبًا من الواقع الصعب الذي يواجهونه. الحانة هي مكان يتيح لهم اختلاق حياة وهمية بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية. في تلك الأماكن، يجدون العزاء في المشروبات الرخيصة التي قد تخفف من أعباء الأفكار السوداء التي تملأ عقولهم.
هذه الفئة، التي قد يراها البعض “فاشلة” أو “متسولة”، في حقيقة الأمر، هي ضحية للظروف التي قد تكون خارج سيطرتها في كثير من الأحيان. قد يكونون قد مروا بتجارب مؤلمة جعلتهم يفقدون الثقة في المجتمع أو في أنفسهم. يتنقلون بين الكلمات الفارغة والحديث عن مغامرات وهمية ليس لأنهم يحبون الاستعراض، بل لأنهم يبحثون عن شيء يعوض فراغهم الداخلي، شيئًا يشعرهم أنهم موجودون.
هذه الفئة من الأشخاص، الذين يبحثون عن “همزات” للنشر مقابل المال، تعكس ملامح أزمة أعمق من مجرد السعي وراء المال أو الشهرة. في الواقع، هذه المحاولات لإيجاد مكانة أو “هوية” في عالم يعاملهم على أنهم غير مرئيين، تحمل في طياتها شعورًا بالضياع العاطفي والنفسي. هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يتخذون مواقف تروج لتصوّرات غير حقيقية عن أنفسهم، ويشعرون بأنهم بحاجة لخلق شخصية “مقدسة” أو “أنبياء” كي يتقربوا من فئة معينة من الناس، ويتنصلون من أزماتهم الداخلية عبر هذه الواجهة المزيفة.
الادعاء بأنهم “أنبياء” أو مُلهمون أو حتى حكماء، بينما هم في الحقيقة يبحثون عن تسويق أنفسهم لتقديم “سلع” مبتذلة أو تافهة، هو شكل من أشكال التلاعب النفسي الذي يعكس أزمة هوية. هم يعرضون أفكارًا أو نصائح غير ذات قيمة، ليس من أجل نشر الخير أو التغيير، ولكن كوسيلة للحصول على الاهتمام، والاعتراف، وربما المال.
السعي وراء الاعتراف بأي شكل كان، حتى ولو على حساب المبادئ والأخلاق، هو سمة من سمات الأشخاص الذين يشعرون بالعجز عن تحقيق النجاح بطرق نزيهة. بل قد يكون هذا التظاهر بالحكمة أو التفوق محاولة يائسة للهروب من حقيقة أن حياتهم تفتقر إلى الاستقرار الداخلي والتوازن النفسي. وقد يصبحون بذلك عبيدًا لصورهم الوهمية، يظنون أن الظهور بمظهر “المنقذ” سيمنحهم القوة والشرعية في نظر الآخرين.
المفارقة هنا أن هذه التصرفات قد تكون مدفوعة بالخوف من الرفض أو التقدير الشخصي، لكنهم يبدؤون في فقدان معنى الصدق في العلاقات والتفاعل مع العالم. ربما كان لديهم في يوم من الأيام شعور حقيقي بالمثابرة أو الرغبة في التغيير، لكن ذلك يتحول مع مرور الوقت إلى دافع سطحي يقتصر على الربح المادي أو الإستغلال اللحظي ونفاق أخطر من خطير.
هل تعتقد أن هؤلاء الأشخاص يندمون على تصرفاتهم في وقت لاحق؟ أم أن هذا هو الطريق الذي يظنون أنهم يجب أن يسلكوه للبقاء “مهمين” في عالمهم؟
عندما نتحدث عن فشلهم، قد يكون من المهم أن نتذكر أن الفشل ليس فقط في العمل أو الإنجازات الملموسة، بل قد يكون في العلاقات الإنسانية أيضًا. هؤلاء الأشخاص قد يعانون من شعور عميق بالوحدة أو الشعور بالنبذ من المجتمع، ولذلك يلجؤون إلى الأحاديث الفارغة في محاولة للحفاظ على تواصل اجتماعي، ولو كان زائفًا. في بعض الأحيان، تكون الحانة هي المكان الوحيد الذي يشعرون فيه بأنهم “مرئيون”، حتى لو كان ذلك لثوانٍ معدودة، وحتى لو كان ذلك على حساب الكرامة.