حين تنطق الألحان بما تعجز عنه الحكومات
دابا ماروك
في تلك اللحظات، عندما تضع السماعات على أذنيك، أو تترك الموسيقى تتغلغل في أجواء الغرفة، تجد نفسك مسافراً عبر الزمن والفضاء. هناك شيء سحري في الفن الذي ينبع من الشعب، فنٌ يحمل روح الأمة، بعيداً عن كل تشوهات السياسة وتقلبات الحكم. الفن الأمريكي، على وجه الخصوص، يتجلى في هذه اللحظات كمرآة تعكس أوجاعًا دفينة وأحلامًا عظيمة، تلك التي لم تستطع الحكومات المتعاقبة سوى أن تبتعد عنها أو تحاول إسكاتها.
تستمع إلى نغمات البلوز العميقة، التي تحمل صوت الأجيال المنسية، أجيال أنهكها القهر والعبودية، لكنها لم تتخلّ عن إنسانيتها. تجد في هذه الألحان قصة كل من كافح ليُسمع صوته في عالم يفضل الصمت. أو ربما تنقلك نغمات الجاز إلى ساحات نيو أورلينز، حيث يحتفل الناس رغم كل شيء، وكأن الموسيقى كانت وسيلتهم الوحيدة لسرقة لحظات من الفرح وسط طوفان من الحزن.
أما كلمات أغاني الكانتري، فهي أشبه برسائل مكتوبة بعناية من قلب القرى الأمريكية. هناك، بعيداً عن بريق المدن، تُروى القصص البسيطة عن الحب، الفقد، الأمل، والخيانة. إنها الحكايات التي تخاطب القلب مباشرة، بلا تكلّف، وكأنها حوارٌ بينك وبين صديق لم تقابله قط، لكنك تشعر بأنه يفهمك تماماً.
ثم يأتي الروك، مثل عاصفة تُعبّر عن الغضب، التمرّد، والطموح. أصوات الغيتارات العالية وكلمات الأغاني الصاخبة تخبرك أن هناك دائمًا مكانًا للنهوض، أن حتى وسط الحطام يمكن أن تجد القوة للوقوف مرة أخرى.
وفي النهاية، تجد نفسك أمام الهيب هوب، الفن الذي صار صوتًا للشوارع، للمهمشين، للذين لم تكن لديهم منصة إلا الأرصفة والأحياء الفقيرة. كلماتهم تروي قصص النضال اليومي، تعبر عن الغضب الموجّه ضد الظلم، وتبث الأمل في التغيير.
في كل نغمة، في كل كلمة، تشعر بأنك تلمس الحقيقة. ليس الحقيقة التي تصنعها السياسة أو الإعلام، بل الحقيقة الإنسانية البسيطة، الحقيقية التي تخبرك أن الشعب شيء، والحكومة شيء آخر تمامًا.