م-ص
في كل مرة نواجه تحديات اجتماعية وسياسية في بلادنا، يطرأ تساؤل جوهري: “هل ينقصنا شعب في المغرب؟”. هذا السؤال لم يكن مجرد ترف فكري، بل هو سؤال يطرح نفسه بشكل مستمر عند النظر إلى الأوضاع الاجتماعية السائدة في العديد من الأحياء المغربية.
في مناسبة رفع دعوى قضائية ضدنا بتهمة القذف في جريدة ورقية كنا نديرها، قال لنا رجل في عقده السابع رحمه الله، الذي كان قد نهل من مختلف الثقافات وحُسب على المفرنسين: “إن المشتكي بإمكانه تسخير جيش عرمرم ممن تدافعون عنهم في حقهم في السكن، ويرجمونكم بالحجر مقابل 200 درهم فقط للفرد. وهو نفس السعر الذي تباع فيه الأصوات الانتخابية في سوق النخاسة”.
هذا القول، رغم قسوته، يعكس بوضوح حجم الاستغلال الذي يعاني منه العديد من المغاربة في المناطق الفقيرة، حيث يُنظر إليهم كأدوات رخيصة تُشترى وتُباع في سوق السياسة والمصالح الشخصية. هذه الظاهرة تكشف عن واقع مرير لا يقتصر على شراء الأصوات في الانتخابات، بل يمتد إلى انتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين مثل الحق في السكن والتعليم.
الفقر كآلية للتوظيف السياسي:
ليس غريبًا أن يتم استغلال حاجات الناس الأساسية من أجل تحقيق مصالح سياسية. فكلما انتشرت مظاهر الفقر في الأحياء الشعبية، كلما زادت القوى السياسية والاقتصادية استغلالًا لهذه الشرائح المجتمعية الهشة. يصبح الصوت السياسي في بعض الأحيان سلعة تُباع وتُشترى بأبخس الأثمان. وهذا النوع من الاستغلال يسهم في تجذير الفقر واستدامته في دوامة لا تنتهي.
إن الـ 200 درهم التي يتم الحديث عنها ليست مجرد رقم عابر، بل هي تمثل مقياسًا للفساد السياسي والاجتماعي الذي يؤدي إلى زعزعة الثقة في النظام السياسي ويحول الحقوق الأساسية إلى مجرد سلعة. إذ نجد أن العيش الكريم، الذي يجب أن يكون حقًا لكل مواطن، أصبح يُنظر إليه كخدمة تُقدم مقابل ثمن.
واقع مستمر دون تغيير:
ومع كل هذا، يظل السؤال الأعمق: هل لدينا الوعي الكافي لتغيير هذا الواقع؟ إن الوضع لا يتوقف عند مجرد الاعتراف بالمشكلة، بل يتطلب العمل الجاد من أجل بناء ثقافة سياسية جديدة. ثقافة تنبذ استغلال الفقر وتدعم حقوق المواطن في حياة كريمة، دون أن يكون هناك حاجة للمساومة على ولائه أو صوته مقابل حفنة من المال.
ولكن، يبقى الوضع كما هو في غياب تحركات فعلية من قبل المجتمع المدني والمواطنين أنفسهم. الصحافة الجادة تلعب دورًا مهمًا في هذه القضية، ولكنها لا يمكن أن تكون وحدها قادرة على تغيير الواقع. يجب أن يتضافر الجهد بين جميع مكونات المجتمع، من السلطة السياسية إلى الجمعيات المدنية، من أجل إرساء العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين طبقات المجتمع.
الخلاصة:
نعود في النهاية إلى السؤال: “هل ينقصنا شعب في المغرب؟”. الجواب قد يكون أننا في حاجة إلى شعب واعٍ بحقوقه، مدرك لحجم التحديات التي تواجهه، ومصمم على التغيير. لا يمكننا بناء مستقبل أفضل إلا إذا استطعنا أن ننهض من هذا الواقع الذي يذبح الأمل في نفوس الناس ويحولهم إلى أدوات تُستخدم في المعارك السياسية. علينا أن نؤمن أن الشعب، عندما يكون واعيًا ومتحركًا، يستطيع تحقيق التغيير المنشود من أجل مغرب جديد، يضمن الكرامة والعدالة لجميع أبنائه.