مجتمع

التحديات الاجتماعية والأمنية لتوافد المهاجرين الأفارقة على المغرب: نحو حلول شاملة ومتوازنة

دابا ماروك

منذ سنوات، أصبح المغرب محطّ أنظار العديد من المهاجرين الأفارقة الباحثين عن فرص أفضل في حياة كريمة، خاصة مع التوجهات الملكية التي تركز على إدماج هؤلاء المهاجرين في المجتمع المغربي. لكن مع تزايد الأعداد بشكل ملحوظ، أظهرت التحديات الاجتماعية والأمنية التي صاحبت هذه الظاهرة ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر فعالية. فقد أصبحت بعض المدن المغربية تشهد توافد آلاف المهاجرين الذين يمارسون التسول أو ينخرطون في أنشطة غير قانونية، ما يعرض أمن المجتمع المحلي والموارد الاقتصادية لضغوط كبيرة. في هذا السياق، تطرح الأسئلة حول قدرة المغرب على الاستمرار في احتواء هذه الظاهرة وتوفير حلول فعّالة لضمان الاستقرار الاجتماعي.

السياسة الإنسانية المغربية تجاه المهاجرين الأفارقة:

يشهد المغرب منذ عام 2016 سياسة انفتاحية واستثنائية تجاه المهاجرين الأفارقة، إذ اعتمد نموذجاً فريداً في القارة الإفريقية بتسوية وضعية الآلاف منهم وإدماجهم في المجتمع المغربي، وهو ما يشكل رسالة واضحة عن التزام المملكة بقيم التضامن والتعايش والانفتاح. ففي وقت تضيق فيه بعض الدول أبوابها، احتضن المغرب هؤلاء الأفراد مانحاً إياهم فرصة العيش بكرامة، مع السماح لهم بالاستفادة من الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، وتشجيعهم على دخول سوق العمل.

التحديات الناتجة عن التوافد الكبير:

غير أن هذا التوافد لم يكن خالياً من تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية تواجه البلاد، خصوصاً مع تضاعف أعداد المهاجرين غير النظاميين. فإلى جانب المتسولين المغاربة الذين يكافحون من أجل مواردهم، أضحت الشوارع والأسواق والمرافق العامة تعج بظاهرة التسول، والتي غالباً ما تكون مصحوبة بسلوكات تتجاوز طلب المساعدة إلى التعدي على حريات الناس وأحياناً على ممتلكاتهم. إن وجود هؤلاء المهاجرين، الذين يأتون من دول مختلفة في ظروف صعبة، قد خلق تحديات ملحة لا يمكن التغافل عنها، سواء على مستوى الإدارة المحلية أو على مستوى الأمن العام.

الآثار الاجتماعية لظاهرة التسول والبطالة بين المهاجرين:

تمثل البطالة بين المهاجرين الأفارقة العامل الرئيسي في تفاقم ظاهرة التسول، حيث إن غياب فرص العمل واندماج محدود في السوق يدفع العديد منهم للجوء إلى هذه السبل، والتي تشوه صورة المجتمع وتزيد من الأعباء الملقاة على كاهل المواطنين. كما أن هذا الوضع يخلق توتراً اجتماعياً، خصوصاً عندما تتركز هذه الظاهرة في أماكن حساسة كالمؤسسات التعليمية ومواقف السيارات وعلى مفترقات الطرق، مما يسبب شعوراً بالضيق لدى المواطنين الذين يضطرون للتعامل مع هذه السلوكات بشكل يومي.

البعد الأمني وإشكالية الجرائم المرتبطة ببعض المهاجرين:

من جانب آخر، فإن تجاوز البعض من هؤلاء المهاجرين للممارسات غير القانونية بات يشكل تحدياً أمنياً لا يمكن إغفاله، حيث سجلت في بعض المدن المغربية حالات لجرائم ترتكبها فئة من المهاجرين. وقد تسببت هذه الحوادث في تصاعد المخاوف الأمنية لدى المواطنين وزادت من الضغوط على الأجهزة الأمنية، التي بات عليها تكثيف الجهود لمواجهة انتشار الجرائم الناتجة عن توافد المهاجرين غير النظاميين. وبالرغم من أن هذه الظاهرة لا يمكن تعميمها، فإنها أثرت على تصورات المجتمع المغربي حول المهاجرين، وزادت من أهمية خلق إطار قانوني منظم يتماشى مع مقتضيات الحفاظ على الأمن العام.

استراتيجية المغرب لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز الأمن:

في ظل هذه التحديات، يقوم المغرب بدور هام في مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث يساهم في حماية حدوده الساحلية ويراقب شبكات التهريب والهجرة غير النظامية. ويشمل هذا الدور المتعدد الأبعاد جهودا على مستوى التعاون الدولي مع الاتحاد الأوروبي، لتعزيز الأمن عبر البحر الأبيض المتوسط وتنسيق العمليات لمكافحة تهريب البشر. وتعتبر هذه الاستراتيجيات ضرورية لحماية الحدود الوطنية وتأمين الأمن الداخلي، ولتحقيق توازن بين التزام المغرب بالمعايير الإنسانية وحماية مصالحه الوطنية.

استراتيجية متكاملة للتنظيم والاندماج الاجتماعي للمهاجرين:

لحل هذه التحديات بشكل متكامل، يُفضَّل اعتماد سياسات تعزّز التنظيم وتوفر حلاً جذرياً للمظاهر السلبية التي تخل بالأمن الاجتماعي، مع احترام حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية. يمكن أن يشمل ذلك برامج تشجيع العودة الطوعية للمهاجرين غير القادرين على الاندماج في سوق العمل أو غير الراغبين في التأقلم مع ضوابط المجتمع المغربي، بحيث يتم توفير الدعم اللوجستي لهم بالتعاون مع المؤسسات الدولية والإفريقية. وفي الوقت نفسه، تساهم برامج التأهيل الاجتماعي في مساعدة المهاجرين القادرين على العمل، وتمكنهم من تعلم مهارات مهنية تسهل اندماجهم وتعود بالنفع على المجتمع. كما أن تنظيم حملات توعية حول ضرورة احترام القوانين والتعايش السلمي يمكن أن يقلص من الاحتكاكات اليومية بين المواطنين والمهاجرين، مما يسهم في خلق مناخ اجتماعي أكثر انسجاماً وأمناً.

خاتمة:

للتعامل مع هذا الوضع المعقد، يجب على المغرب التفكير في وضع سياسات شاملة تُوازن بين واجبات التضامن وتطبيق الصرامة في التعامل مع الظاهرة، وذلك من خلال تطبيق الإجراءات اللازمة بولوج التراب الوطني، وتكثيف الجهود للحلول الفعالة في معالجة الظاهرة.

نقول هذا، ونؤكد أن عدم وضوح القانون وضبط المخالفات المتعلقة بظاهرة التسول أو التنوع التي يرتكبها بعض المهاجرين بات أمراً وكأنه يحمي الظاهرة ويزيد في استفحال الظاهرة بشكل غير مقبول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى