أراضي الجموع في المغرب: بين التاريخ والقوانين الحديثة
دابا ماروك
تعد أراضي الجموع من القضايا القانونية والاجتماعية التي تجسد العلاقة المعقدة بين الماضي والحاضر في المغرب. هذه الأراضي التي كانت تمثل مصدرًا رئيسيًا للعيش في العديد من المناطق القروية، تكتسب أهمية خاصة في السياق القانوني المغربي بسبب خصوصيتها في الملكية والاستخدام، حيث تجمع بين التقاليد القانونية والتطورات الحديثة. منذ العصور القديمة، كانت الأراضي الجماعية تمثل أحد أسس التعاون والتكافل بين أفراد الجماعة أو القبيلة، ولكن مع مرور الوقت وتحولات النظام القانوني والسياسي في المغرب، شهدت هذه الأراضي تغييرات جذرية.
تسعى القوانين الحديثة إلى تنظيم هذه الأراضي والحفاظ على حقوق الجماعات في ملكياتها المشتركه، بينما تواجه هذه الأنظمة القانونية تحديات مستمرة بسبب التوسع العمراني، والضغوط الاقتصادية، والنزاعات التي تتعلق بالتوريث والملكية. وفي هذا المقال، نلقي الضوء على تاريخ أراضي الجموع في المغرب، من جذورها التقليدية إلى القوانين الحديثة التي تهدف إلى تنظيمها وحمايتها، كما نستعرض التحديات التي تواجه هذا النظام القانوني وآفاق الإصلاح والتطوير.
1. التاريخ والتقليد في نظام أراضي الجموع
في الماضي، كانت أراضي الجموع جزءًا أساسيًا من النظام الاقتصادي والاجتماعي في العديد من المناطق المغربية. فقد كانت الأراضي تستخدم بشكل جماعي لتحقيق مصالح الجماعة المحلية. وكانت السلطات التقليدية، مثل الشيوخ والمخازنية، تتولى تنظيم العلاقة بين الأفراد والجماعات فيما يخص استغلال هذه الأراضي. هذه الأراضي كانت غالبًا ما تكون ملكًا مشتركًا للجماعة، تُستخدم في الزراعة والرعي والتجارة، وكان الوصول إليها يتم من خلال العادات المحلية والتقاليد.
ومع الاستعمار الفرنسي، شهدت هذه الأراضي بعض التعديلات على مستوى القوانين والأنظمة التي كانت تحكمها. ففرض الاستعمار العديد من القوانين التي أجبرت العديد من الجماعات على تنظيم ملكياتها بشكل فردي، وهو ما أثر على الاستغلال الجماعي للأراضي.
2. القوانين الحديثة وتأثيرها على أراضي الجموع
بعد الاستقلال، بدأ المغرب في تبني قوانين جديدة تهدف إلى تنظيم أراضي الجموع بطريقة أكثر فعالية. ومن أبرز هذه القوانين نجد قانون 19.62 الذي أقرته الحكومة المغربية في سنة 1963، والذي كان يهدف إلى تنظيم توزيع الأراضي الجماعية وحماية حقوق الفلاحين. هذا القانون أسس لوضع إطار قانوني يحمي الأراضي الجماعية ويمنع التفريط فيها.
من جهة أخرى، أنشأت السلطات المغربية قوانين حديثة مثل القانون 27.11 الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2011، والذي يعد خطوة مهمة نحو تسوية وضعية الأراضي الجماعية. هذا القانون قام بتحديد الشروط المتعلقة بإدماج هذه الأراضي في الأسواق العقارية وحمايتها من التملك غير المشروع، بالإضافة إلى تنظيم كيفية استغلالها في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية.
كما تم تأسيس المحافظة العقارية للأراضي الجماعية، وهي هيئة مسؤولة عن ضمان حقوق الملكية الجماعية وحمايتها من التعدي. هذه الهيئة تعمل على تحديث البيانات العقارية الخاصة بهذه الأراضي وتنظيم عملية التفويت أو البيع بطريقة قانونية ومراقبة العمليات العقارية المرتبطة بهذه الأراضي.
3. التحديات التي تواجه أراضي الجموع في المغرب
رغم التطورات القانونية التي شهدتها أراضي الجموع في المغرب، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجهها. أبرز هذه التحديات هي المشاكل القانونية المتعلقة بالملكية، حيث يواجه الفلاحون صعوبة في الحصول على وثائق رسمية تثبت ملكيتهم للأراضي الجماعية بسبب تعقد الإجراءات والبيروقراطية.
أما التحدي الآخر، فهو الضغط العمراني والتوسع الحضري، حيث أن الكثير من الأراضي الجماعية أصبحت محط اهتمام المستثمرين والعمران، مما قد يعرضها لخطر التملك الفردي أو البيع غير المشروع. هذا يشكل تهديدًا كبيرًا للحقوق الجماعية في الأرض، وهو ما يتطلب وضع تشريعات أكثر صرامة لحمايتها من التعديات.
إضافة إلى ذلك، فإن التحديات الاجتماعية تظل قائمة، حيث أن الفئات الهشة، مثل النساء والشباب، لا تجد دائمًا آليات ملائمة لحمايتها من الاستغلال في إطار هذه الأراضي. كما أن المشاكل الناتجة عن التوريث والتقاسم بين أفراد الجماعة قد تؤدي إلى نزاعات طويلة الأمد تضر بمصالح الجميع.
4. آفاق الإصلاح والتطوير
في سياق الإصلاحات القانونية، يعتبر مشروع القانون رقم 62.17 بشأن الأراضي الجماعية هو أحد الخطوات الكبيرة نحو تجديد الإطار القانوني لهذه الأراضي. يهدف هذا المشروع إلى تسهيل توثيق وتسجيل ملكية أراضي الجموع وتحسين عملية الاستفادة منها من خلال توفير آليات قانونية تساهم في تنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات المالكة للأراضي.
من جانب آخر، هناك دعوات لتطوير نظام الحماية الاجتماعية للفئات المشتغلة في الأراضي الجماعية مثل النساء والفئات الفقيرة، وضمان استفادتهم من البرامج الاجتماعية المرتبطة بالتنمية القروية.
خاتمة
تظل أراضي الجموع في المغرب تمثل جزءًا أساسيًا من التراث الاجتماعي والاقتصادي، وتواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بتنظيم ملكيتها واستخدامها في ظل القوانين الحديثة. وبينما يعكف المغرب على إصلاح النظام القانوني لهذه الأراضي، تبقى الحاجة ملحة للتوازن بين حماية الحقوق الجماعية وتشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. إن تفعيل القوانين وتحديثها بما يتماشى مع حاجات العالم القروي والمجتمع المدني، يعد خطوة هامة نحو ضمان حقوق المنتمين إلى الجماعات السلالية وحماية الأرض كأحد أصول الوطن.