الصمت حول العادة السرية عند الإناث: حاجة إلى نقاش صحي بعيداً عن الأحكام
وفاء الزناتي
يُعدّ الحديث عن العادة السرية، خاصةً لدى الإناث، من المواضيع التي تحيط بها مجموعة من التحديات الاجتماعية والثقافية، ويُنظر إليها أحياناً كأمر محظور يستدعي الكتمان. ورغم أن العادة السرية تشكّل جزءاً طبيعياً من التطور الجنسي عند الجنسين، إلا أن تعامل المجتمع مع هذه الممارسة يختلف بشكل كبير بين الذكور والإناث.
من المنظور العلمي، تُعرف العادة السرية بأنها سلوك بيولوجي ذاتي يمكن أن يساعد الفرد على تفريغ التوتر الجنسي وفهم جسده بشكل أفضل. وأظهرت الأبحاث أن العادة السرية ليست فقط ممارسة شائعة، بل إنها أيضاً تساهم في تحفيز إفراز الهرمونات المرتبطة بالراحة والسعادة، مثل الدوبامين والأوكسيتوسين، مما يساعد على تحسين الحالة النفسية.
أما من الناحية الثقافية والاجتماعية، فقد تطورت الكثير من التصورات التي تقيّم العادة السرية بشكل مختلف بناءً على الجندر (Gender). ففي حين يُسمح للذكور، ضمنياً على الأقل، بالحديث عن هذه الممارسة أو حتى ممارستها، تواجه الإناث غالباً رفضاً مجتمعياً وصمتاً عميقاً، ما يؤدي إلى شعورهن بالخجل أو الخوف من الوصم. وتؤدي هذه التصورات غير المتكافئة إلى عزل الإناث عن حقهن في فهم أجسادهن، وتقدير احتياجاتهن، وتوجيه حياتهن الجنسية بشكل متوازن.
الجانب النفسي لهذا التفاوت المجتمعي لا يقل أهمية؛ فمشاعر الخجل والذنب قد تتولد لدى الإناث نتيجةً للموروثات الثقافية التي تعتبر العادة السرية انحرافاً أخلاقياً خاصاً بهن. يؤدي هذا الإحساس بالذنب إلى صراع داخلي بين احتياجات الفرد الفطرية وبين المعايير المجتمعية المتحفظة، وقد يترك أثراً طويل الأمد على الصحة النفسية للمرأة.
وبالتالي، فإن الحاجة مُلحة إلى التطرق لهذا الموضوع بموضوعية علمية بعيداً عن الأحكام المسبقة. إن التربية الجنسية الشاملة هي الأداة التي يمكن من خلالها تقديم معلومات دقيقة تساعد الأفراد على فهم سلوكياتهم الجنسية والتعامل معها بطريقة صحية، مما يساهم في تقليل الوصمة، وتمكين الأفراد من التفاعل مع أجسادهم بوعي واحترام.
1. البعد البيولوجي والفيزيولوجي للعادة السرية
تعد العادة السرية جزءاً من التطور الجنسي الطبيعي لدى البشر، خاصة في فترات المراهقة عندما تبدأ الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون والإستروجين في الارتفاع، مما يزيد من الرغبة الجنسية. تساعد العادة السرية، من منظور بيولوجي، في تخفيف التوتر الجنسي وتساهم في إفراز هرمونات مثل الدوبامين والأوكسيتوسين التي تعزز الشعور بالراحة والاسترخاء. وتظهر الدراسات أن العادة السرية بحد ذاتها ليست مضرة جسدياً عندما تتم بشكل معتدل، بل قد تساهم أحياناً في تخفيف التوتر العصبي وتحسين الحالة المزاجية.
2. الجوانب النفسية: تأثير العادة السرية على الصحة النفسية
تختلف الآثار النفسية للعادة السرية بشكل كبير بناءً على الثقافة الاجتماعية والتربية الشخصية. في المجتمعات التي تعتبر فيها العادة السرية وصمة عار، خاصة عند الإناث، قد يتسبب ذلك في مشاعر من القلق، الخجل، والذنب لدى الممارسين. هذه المشاعر السلبية ليست ناتجة عن الفعل بحد ذاته، بل عن السياق الثقافي والاجتماعي الذي يعتبرها سلوكاً غير مقبول، مما يؤدي إلى صراع داخلي بين الرغبة الذاتية والتصورات الاجتماعية.
أما في حال تم التعامل مع العادة السرية بشكل صحي وتثقيفي، فقد تكون لها دور في تعزيز التعرف على الذات، وفهم الاستجابات الجسدية بشكل أفضل، ما يساعد الشخص على بناء صورة إيجابية عن جسده ورغباته.
3. التأثيرات الاجتماعية والثقافية: مقارنة بين الجنسين
هناك تفاوت واضح في كيفية تعامل المجتمعات مع العادة السرية عند الذكور والإناث. ففي حين يُنظر غالباً إلى ممارستها عند الذكور كجزء من النضج الطبيعي، تُعد العادة السرية عند الإناث من المحظورات التي تُغطى بالسرية التامة. ينتج عن هذا التفاوت شعور متزايد بالحرج لدى الإناث، مما يجعلهن يشعرن بأن رغبتهن الجنسية أمر غير مقبول أو يستحق العقاب. ويؤدي هذا التباين الثقافي إلى تعميق الفجوة بين الجنسين فيما يخص فهم الصحة الجنسية والنفسية، ويُضعف مستوى الحوار الصريح حول احتياجات الأفراد الجنسية.
عند تكرار التجاهل لهذا الجانب لدى الإناث، تزداد احتمالات أن ينشأ لدى النساء شعور بانفصال عن احتياجاتهن الجسدية، وقد يؤدي إلى قلة المعرفة الجنسية لديهن، مما يؤثر على حياتهن العاطفية والجنسية في المستقبل.
4. التربية الجنسية كوسيلة لفهم الذات وتخفيف الوصم الاجتماعي
في كثير من المجتمعات التي تتعامل مع العادة السرية بنوع من التحفظ، يغيب دور التربية الجنسية العلمية في تقديم صورة واضحة ومتوازنة عن الصحة الجنسية للفرد، سواء كان ذكراً أو أنثى. ومن هذا المنطلق، فإن التربية الجنسية لا يجب أن تقتصر على ذكر مخاطر بعض السلوكات، بل يجب أن تشمل مواضيع مثل العادة السرية، وفهم الذات، وتطوير آليات التعامل مع الرغبات الجنسية بطرق صحية.
تساهم التربية الجنسية الشاملة في مساعدة الأفراد على بناء وعيهم الذاتي، وتعلم طرق صحية للتعبير عن رغباتهم وتلبية احتياجاتهم الجسدية والنفسية. وتفتح المجال أمام الإناث ليشعرن بالراحة تجاه رغباتهن البيولوجية، مما يقلل من مشاعر الخجل أو الشعور بالذنب.
5. الخلاصة: الدعوة إلى حوار مجتمعي علمي وصحي
تعتبر العادة السرية جزءاً طبيعياً من تطور الفرد الجنسي، وتعكس حاجات جسدية ونفسية يجب التعامل معها بوعي وصراحة، دون وصم أو تحريم. ومن الأهمية بمكان أن تتوفر بيئة تعليمية وصحية تشجع الأفراد على الحديث والتثقيف حول هذه المواضيع، بعيداً عن الخجل أو التمييز بين الجنسين. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تمكين الأفراد من فهم أجسادهم بطريقة صحية وبناء علاقات متوازنة مع الذات، مما يعزز رفاههم النفسي ويقلل من الآثار السلبية المحتملة لهذه الممارسة عندما تتم بوعي واعتدال.