مجتمع

الظلم في المغرب: أصناف من “الأبطال” الذين ابتليت بهم مدننا

دابا ماروك

في المغرب، يتغلغل الظلم في أرجاء المجتمع في صمت، ويعيش العديد من المواطنين في معركة يومية ضد أصناف من “الأبطال” الذين ينشطون في مجالات مختلفة، يصولون ويجولون متحكمين في مصائر الناس كما لو أن حقوق البشر مجرد أوراق تائهة يمكن مزجها وبيعها في أي وقت. هؤلاء ليسوا مجرد ظالمين عاديين، بل هم صناديق مغلقة من المصالح والأنانية التي لا تعرف الرحمة. سنلقي الضوء على هذه الأصناف التي تتفنن في إظهار وجهها البشع، مع أن القناع يبقى غالبًا ناعمًا ولامعًا.

صنف “المستثمر العقاري”: بيع الجدران وتهجير العائلات

في العديد من المدن المغربية، تجد فئة من الأبطال المتخصصين في شراء العقارات القديمة وبيعها أو تهجير الأسر منها تحت غطاء من الوعود الكاذبة. هؤلاء لا يكتفون بجمع المال، بل يتركون وراءهم عائلات معدمة تفرَّق شملها بسبب طمعهم في الأراضي والمنازل. هؤلاء “المستثمرون” يتفننون في استخدام الثغرات القانونية للضغط على الفقراء والمساكين الذين يقيمون في هذه المنازل لأجيال، بل ويحولون العيش في الأحياء العتيقة إلى جحيم بسبب الضغوطات التي يفرضونها على السكان. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يعمدون إلى استغلال قوانين الإفراغ وتطبيقها بطريقة تعسفية، متجاهلين حقوق هؤلاء المواطنين في العيش بكرامة داخل بيوتهم.

صنف “الرياضيون الفاقدون للضمير”: بيع اللاعبين في غفلة

الرياضة في المغرب، مثلها مثل الكثير من المجالات الأخرى، لا تخلو من مستغلي الفرص. ففي ظل تراجع الدعم والتسيير السليم للأندية الرياضية، تجد أن بعض المسؤولين في الأندية يستغلون اللاعبين كأدوات للوصول إلى المال والمكاسب الشخصية. يتعاملون مع اللاعبين كـ “كتاكيت”، يبيعونهم في صفقات مربحة عندما تصبح قيمتهم مرتفعة، دون أدنى اعتبار لمستقبلهم أو راحتهم النفسية. وأغلب هذه الصفقات تتم في غفلة من صندوق الفريق، حيث يتحكم “أبطالنا” في تسيير الأموال، فتذهب الأموال إلى جيوب القليلين، بينما يبقى اللاعبون عالقين في أزمات مالية أو نفسية.

استنزاف العمال في عصر العقود الهشة: بين غياب الحقوق واستمرار السخرة

في المجال المهني، يظهر نوع آخر من الظلم، يتجسد في تعامل أرباب العمل مع الأجراء وكأننا ما زلنا نعيش في عصور السخرة. في غياب الحد الأدنى من الأجور والتأمينات الاجتماعية، يتحول العمل إلى استنزاف يومي لدماء أبناء الشعب دون رقيب أو حسيب. الأسوأ من ذلك، أن هناك من يتلاعب بقوانين الشغل عبر تشغيل العمال بعقود قصيرة المدة تمتد لستة أشهر فقط، ثم يفرض عليهم الانتظار بضعة أيام أو أسابيع قبل استئناف العمل بعقدة جديدة، في دورة استغلالية لا تنتهي. هؤلاء لا يعترفون بحقوق العامل ولا يلتزمون بالكرامة الإنسانية، بل يضعون الربح فوق كل اعتبار، مستنزفين طاقات الفقراء الذين يسعون فقط لضمان لقمة عيشهم في ظل ظروف لا تليق بكرامة الإنسان.

صنف “تجار الهموم”: استغلال الفقراء للحصول على مكاسب سياسية

أما في المجال السياسي، فهناك صنف آخر من الأبطال الذين يبيعون أحلام البؤساء مقابل مصالح شخصية. هؤلاء يستغلون معاناة الفقراء والأسر المحدودة الدخل من أجل كسب أصواتهم، ويقومون بشراء هذه الأصوات كما لو كانت سلعة يمكن مقايضتها. هؤلاء السياسيون لا يعبؤون بحال المواطن، بل يتعاملون مع مشاكل الناس كما لو كانت أدوات في لعبة انتخابية. يستغلون كل فرصة للحصول على دعم جماهيري من خلال التبرعات الزائفة أو الوعود التي لا تتحقق، ليجد المواطن نفسه في النهاية ضحية أخرى للوعود الكاذبة. الأبطال هنا يتقاسمون المصالح مع توأمهم، وهو الذي يشتري أصوات البؤساء ويبيعهم أوهامًا بينما هو في الحقيقة يتاجر في همومهم.

الخلاصة: منظومة الظلم ومواطنوها

الظلم في المغرب ليس مجرد أفعال فردية، بل هو جزء من منظومة معقدة تتداخل فيها المصالح الشخصية مع غياب المساءلة القانونية، وغياب العدالة الاجتماعية. إن هؤلاء “الأبطال” الذين يبتكرون طرقًا جديدة لاستغلال الناس، سواء في العقارات أو الرياضة أو العمل أو السياسة، لا يعملون في فقاعة معزولة، بل هم نتاج ثقافة تسامح مع الفساد واستخفاف بحقوق الناس.

من حق المواطنين أن يعبروا عن غضبهم ويطالبوا بتغيير هذه المنظومة التي لا تكف عن إنتاج الظلم على مختلف الأصعدة. إذا أردنا تغييرًا حقيقيًا، فلا بد من مواجهة هذه الأبطال الذين يسيرون في دروب الاستغلال بلا شفقة، وتفعيل قوانين تحمي الفقراء والمهمشين، وتقديم العدالة لمن يستحقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى