الكوتشي وكاين غير أنا: واش جامع الفنا ولا جامع الكوتشيات؟
يونس رياض
في مشهد يعيد إلى الأذهان أفلام الكوميديا السوداء، تجد في ساحة جامع الفنا بمراكش، ذلك القلب النابض للمدينة الحمراء، عرضًا لم يكن على جدول أي مهرجان فني. أصحاب الكوتشيات، رافضون لأي اقتراح أو حتى فكرة التغيير، يتشبثون بالساحة كما يتشبث النحل بزهور البرتقال، وكأن مغادرتها تعني فقدان هويتهم التاريخية، وربما الوطنية أيضًا.
الساحة التي كانت وما زالت تمثل لوحة فنية حية، أصبحت الآن مكانًا لصراع طريف بين أصحاب الكوتشيات الذين يعتبرون أنفسهم “جزءًا من التراث”، وبين السلطات التي تحاول تنظيم الأمور. وبالطبع، تنظيم الأمور في المغرب له أبعاد فلسفية خاصة، مثل محاولة فك لغز الوجود!
الكوتشي: وسيلة نقل أم تراث يُباع بالغرامات؟
تخيل أن تمر وسط ساحة جامع الفنا على أنغام الكمان والنقاش الحي للزوار، وتجد عربة يجرها حصان تنبعث منها روائح “الماضي المجيد”، محاطة بأصوات تُنادي بأحقية البقاء. يقول أصحاب الكوتشيات: “هذه الساحة لنا، ولن نرحل عنها مهما حصل!”، وكأن الساحة تنتمي إلى جواز سفرهم!
لكن المشكلة ليست فقط في التشبث بالساحة. هناك الحصان المسكين الذي يُطالب بحقوقه الصامتة، بين أكوام السياح وكؤوس الشاي المنعنع. لا أحد يسأل الحصان: “ألا ترغب في مغادرة الساحة إلى مكان أقل صخبًا؟”. الحصان المسكين هو البطل الحقيقي في هذه المسرحية، لكنه للأسف بلا نص مكتوب.
السلطات: دبلوماسية بين المطرقة والسندان
من جهة، تجد السلطات تحاول بثقافة التنظيم، ومن جهة أخرى، تواجه عقلاً يقدّس العشوائية كما يقدّس العاشق وردة حبيبته. المحاولات لتوفير بديل منطقي لأصحاب الكوتشيات تصطدم بعناد لا يُكسر. يقول أحدهم: “نحن جزء من الساحة مثلها مثل النكافات والقردة”. نعم، قارئي العزيز، وصل الأمر إلى تشبيه أنفسهم بالقردة، مع كامل الاحترام لهؤلاء الحيوانات البريئة.
السلطات، كالعادة، وجدت نفسها بين مطرقة إرضاء الجميع وسندان تنفيذ القوانين. فلا يمكنها إقناع أصحاب الكوتشيات بالخروج من الساحة، ولا يمكنها إبقاء الأمور كما هي. أما السياح الأجانب، فهم في حيرة: هل يشاهدون عرضًا للفلكلور المغربي أم جزءًا من احتجاج هزلي؟
الحلول المقترحة: كوميديا إضافية
الاقتراحات تتوالى. البعض يرى أن إنشاء منطقة خاصة بالكوتشيات في أطراف المدينة هو الحل المثالي. لكن أصحاب الكوتشيات يرون أن هذا يشبه نفيهم إلى المنفى! بل يصرون على أن الساحة ليست مجرد مكان عمل، بل هي قطعة من كرامتهم، ولا كرامة بدون الساحة.
هناك من اقترح أن يتم تحويل الكوتشيات إلى عربات كهربائية صديقة للبيئة، لكن هذا الاقتراح تم مواجهته بالسخرية: “هل تريدون منا أن نتحول إلى طاكسيات؟ نحن كوتشي يا سيدي، ولسنا ترامواي!”
الختام: ساحة جامع الفنا بين الماضي والمستقبل
بين تشبث أصحاب الكوتشيات بالساحة وقرارات السلطات التي تتحرك بسرعة السلحفاة، يبدو أن الحل سيحتاج إلى معجزة، أو ربما فيلم جديد من إنتاج الواقع المغربي بعنوان: “الكوتشي… البقاء للأقوى”.
وفي هذه الأثناء، ستظل الساحة تنبض بالحياة، تضج بالحكايات، ويظل السائح يلتقط صورًا وسط هذا الصراع الطريف، غير مدرك أنه أصبح جزءًا من القصة. أما الحصان، فهو في النهاية يستحق جائزة البطولة، أو على الأقل يوم راحة في منتجع جبلي بعيد عن “معركة التراث”.