رياضة

محمد أبو سهل: أسطورة الإذاعة الرياضية المغربية

دابا ماروك

عندما نتحدث عن الأسماء اللامعة في مجال الصحافة الرياضية الإذاعية بالمغرب، يبرز اسم محمد أبو سهل كواحد من الوجوه التي سطرت مسارًا استثنائيًا يليق بوصف “الأسطورة”. فالرجل ليس فقط رمزًا للصحافة الرياضية، بل أيضًا نموذجًا للإعلامي الذي جمع بين المهنية العالية والإنسانية العميقة، مما جعله “حبيب المستمعين الرياضيين”.

بداية واعدة ومسيرة حافلة

وُلد محمد أبو سهل في أواخر خمسينيات القرن الماضي، ليشق طريقه في عالم الصحافة الرياضية منذ شبابه المبكر. انطلقت مسيرته المهنية في الصحافة الورقية خلال عام 1979، حيث صقل موهبته في الكتابة والوصف التحليلي. وبرغم نجاحه في هذا المجال، كان عشقه الحقيقي للإذاعة التي وجد فيها ضالته بفضل صوته المميز وأسلوبه البسيط والراقي في التواصل مع الجمهور.

محمد أبو سهل ليس مجرد صحافي رياضي؛ إنه مدرسة إعلامية قائمة بذاتها، تتلمذ على يدها العديد من الشباب الذين شقوا طريقهم في الإعلام الرياضي. منذ بداياته، أبدى ولاءً كاملاً للمهنة، متجنبًا التورط في صراعات أو عداوات شخصية. كان دائمًا ذلك الرجل البشوش المتواضع الذي يحبه الناس، والبعيد عن الأضواء التي قد تجذب الآخرين، لكنه ترك بصمته بعمق في قلوب مستمعيه.

التأثير الإذاعي

في وقت كان فيه الإعلام المغربي يعتمد بشكل أساسي على الصحافة الورقية والقليل من التلفزيون، استطاع أبو سهل أن يبرز كواحد من أهم الأصوات التي ارتبطت بالرياضة عبر أثير الإذاعة. أدرك الرجل أن الإذاعة ليست مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل نافذة للتواصل العاطفي مع الجمهور. عبر صوته الدافئ، استطاع أبو سهل أن ينقل شغفه بالرياضة إلى مستمعيه، مما جعل برامجه موعدًا ثابتًا ينتظره عشاق كرة القدم والرياضة عمومًا.

تمثل مسيرته في إذاعة “م ف م” ذروة هذا العطاء. تولى منصب رئيس القسم الرياضي، وهو منصب جاء نتيجة ثقة رئيس الإذاعة كمال لحلو بقدراته ومهنيته. وبفضل هذه العلاقة المهنية المثمرة، ساهم أبو سهل في بناء قسم رياضي قوي ومتميز، حيث ركز على تقديم محتوى إعلامي يوازن بين الدقة والتحليل العميق، مما جذب اهتمام المستمعين وجعل الإذاعة وجهة رئيسية لمحبي الرياضة.

بين الإذاعة والحياة الشخصية

ورغم انشغاله المهني، لم يكن أبو السهل بعيدًا عن الجانب الأكاديمي. حصل على شهادات متخصصة في مجال الصحافة، مما جعله يجمع بين الخبرة الميدانية والتكوين الأكاديمي. هذه المزاوجة بين العمل والدراسة ساهمت في تعزيز مكانته كإعلامي بارع ومتمكن في مجاله.

لكن خلف هذا الوجه الإعلامي البشوش، هناك قصة إنسانية عميقة. أبو السهل، الذي طالما أهدى وقته لجمهوره، اضطر في السنوات الأخيرة إلى موازنة وقته بين العمل ورعاية زوجته التي تمر من أزمة صحية. ورغم التحديات الشخصية، ظل الرجل وفياً لجمهوره، مواصلًا تقديم برامجه وإسعاد مستمعيه. وهنا نتوقف لنوجه له كل التحية والتقدير، وندعو لزوجته بالشفاء العاجل.

رمز للصحافة النظيفة

في زمن طغت فيه الإثارة على المضمون، وتموج الإعلام الرياضي بتوجهات تجارية وأخرى مشوبة بالتحيز، حافظ محمد أبو سهل على خطه المهني المستقيم. عرف بموضوعيته وتجرده في تناول المواضيع الرياضية، وخصوصًا في كرة القدم التي تستحوذ على اهتمام الجمهور. كان دائمًا يقدم رؤيته بوضوح وشفافية، مستندًا إلى الحقائق ومبتعدًا عن المبالغة والجدل العقيم.

إرث إعلامي خالد

اليوم، وبعد أن وصل عقده السادس، يظل محمد أبو سهل نموذجًا يحتذى به في الصحافة الرياضية الإذاعية. ليس فقط لأنه رمز للمهنية والإنسانية، ولكن لأنه استطاع أن يجمع حوله قلوب الناس بعفويته وصدقه. إن صوت أبو السهل لم يكن مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل كان ومازال رفيقًا لعشاق الرياضة في لحظات الانتصار والانكسار، وشاهدًا على تحولات الرياضة الوطنية لعقود.

ختامًا، يبقى محمد أبو سهل رمزًا إعلاميًا وإنسانيًا يستحق كل التقدير. دعواتنا القلبية لزوجته بالشفاء العاجل، ول أبو السهل بمزيد من العطاء والتألق. فما قدمه للإعلام الرياضي سيظل جزءًا من ذاكرة الأجيال القادمة، شاهداً على زمن كانت فيه الإذاعة صوتًا للأمل والشغف.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى