مجتمع

أزمة التربية في المغرب: أم الأزمات

دابا ماروك

إن التربية هي الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع السليم، وهي الضمانة لخلق أفراد يقدّرون القيم، ويحترمون مبادئ النزاهة والالتزام، ويؤمنون بأهمية المسؤولية الفردية تجاه الآخرين. فكل أزمة نراها في المجتمع اليوم، سواء في الفساد أو التهاون بالمسؤوليات أو حتى المبالغة في الإنسانية بغير وعي، تعود إلى جذور تتعلق بالنقص في التربية الصحيحة، والتوجيه السليم الذي يشمل القيم الأخلاقية والاجتماعية، إلى جانب المعرفة الأكاديمية.

حين يغيب الوعي التربوي عن الفرد، نجد سلوكه يتسم بالأنانية، ويغيب عنه الالتزام بأخلاقيات العمل والمواطنة. فالذي يختلس الأموال العامة، أو يتلاعب بالأمانات الموكلة إليه، هو شخص يعاني من نقص تربوي واضح، حيث لم يتعلم أن هذه الموارد هي حقوق للآخرين، وأن الحفاظ عليها واجب أخلاقي ووطني. هذا السلوك ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج لتربية لم تزرع فيه قيم الأمانة والنزاهة، ولم توجهه نحو احترام حقوق الآخرين وصون مصالحهم.

فالاختلاس، على سبيل المثال، ليس مجرد تجاوز قانوني، بل هو دليل على افتقار الشخص لتربية تُعلّم احترام المال العام، وتُرسخ مفهوم المسؤولية تجاه المجتمع. كيف يمكن لمثل هذا الفرد أن يخدم مجتمعه وهو يرى في الموارد العامة فرصة لتحقيق مكاسب شخصية؟ التربية السليمة تجعل من الأمانة مبدأ راسخًا، وتغرس في الفرد شعورًا بالمسؤولية تجاه الموارد التي تعود على المجتمع بأسره، لا عليه وحده.

إن التربية المتوازنة هي التي تخلق فردًا قادرًا على فهم متطلبات المجتمع، وعلى التمييز بين ما ينفعه وينفع غيره، وما قد يضر بالآخرين حتى لو بدا خيرًا في ظاهره. هذه التربية لا تتشكل عشوائيًا، بل هي نتاج تنشئة مدروسة تبدأ من الأسرة التي تضع الأساس للقيم والمبادئ، مرورًا بالمدرسة التي تضيف المعرفة وتغرس المسؤولية، إلى مؤسسات المجتمع التي تساهم في ترسيخ السلوك القويم وتوجهه.

وفي الوقت الذي نسعى فيه لمواجهة هذه الأزمات، علينا أن نتذكر أن الحل يبدأ من إعادة بناء منظومة التربية على أسس قويمة، تُعلّم الفرد من نعومة أظفاره الفرق بين الحق والباطل، وتوجهه نحو أن يكون نافعًا لنفسه ولمجتمعه. إنها مسؤولية تتوزع بين الأسرة والمدرسة والدولة ووسائل الإعلام، جميعها شريك في تنشئة فرد يعرف كيف يعيش بتوازن، ويؤدي واجبه، ويحترم حقوق غيره.

خاتمة
باختصار شديد، إن أزمة التربية ليست مشكلة عابرة، بل هي جذور تُغذي شجرة المجتمع بأسره. فإن نحن أقمناها على أسس صلبة ومتوازنة، أنبتت أفرادًا يتحلون بالمسؤولية، يقدرون قيمة العمل الصادق، ويحترمون حقوق غيرهم، ويدركون حدود العطاء وضوابطه. أما إن أغفلناها، فسنواجه أجيالًا تعاني من التناقضات الأخلاقية والاجتماعية، وأزمات لا تنتهي في الأمانة والعدالة والوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى