سياسةمجتمع

رؤساء الجماعات: الفساد مستمر في الكواليس… من يوقف هؤلاء الذين مازالوا يصولون ويجولون؟

دابا ماروك

منذ فترة، انطلقت العديد من التحقيقات التي شملت الجماعات الترابية في المغرب، مما أدى إلى توقيف عدد من المسؤولين المحليين بتهم فساد تشمل التلاعب بالمال العام، اختلالات في المشتريات، الصفقات المشبوهة، وخلل في تدبير التعمير وقضايا مختلفة. لكن ما يثير الانتباه هو أن هذه التحقيقات رغم ما أسفرت عنه من توقيفات، إلا أنها تفتح بابًا واسعًا للشكوك حول وجود ملفات أكبر قد تكون قد خضعت لتسويات أو تجنب للمساءلة. كما أن الرأي العام في المغرب يعبر عن قلقه المتزايد حول ما يراه انتقائية في محاسبة المسؤولين، مما يشكك في جدية محاربة الفساد على أرض الواقع.

الرأي العام المغربي: بين التفاؤل والشكوك

لا شك أن الرأي العام المغربي يتطلع إلى رؤية حاسمة في محاسبة المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد، حيث تحولت هذه القضايا إلى موضوع اهتمام واسع في الإعلام والشبكات الاجتماعية. ففي حين أن هناك من تم توقيفهم بالفعل ووجهت إليهم تهم تتعلق بالفساد واستغلال المنصب، فإن الشارع المغربي يعلم يقينًا أن عددًا كبيرًا من المسؤولين المحليين في مختلف المناطق قد عرفوا بنفس الاختلالات التي تُدين الموقوفين. ومع ذلك، فإن انتظارات الرأي العام لا تنحصر في مجرد توقيف هؤلاء المتورطين، بل تمتد إلى محاكمات عادلة وشفافة لجميع الأطراف، وهو ما يبدو لحد الان غائبًا إلى حد كبير.

يشير العديد من المراقبين إلى أن ما يثير القلق هو غياب حسم حقيقي في هذه القضايا، وتوجيه أصابع الاتهام فقط نحو المسؤولين الذين قد لا يرتبطون بمصالح قوية أو شبكات ضغط تؤثر على سير العدالة، اللهم إذا استثنينا حالات قليلة جدا، رجال الكواليس وحدهم يعرفون أسباب توقيفهم. بينما يتم التستر على أسماء قد تكون أكبر فسادًا من أولئك الذين تم توقيفهم بالفعل. فالرأي العام يسائل: لماذا لا تتم محاسبة هؤلاء المتورطين بشكل شامل؟ وهل يُعقل أن تكون هناك آليات تسمح ببقاء بعض الملفات طيّ الكتمان أو حتى دفنها في دهاليز السياسة والمصالح؟

الفساد والتراخي في الملاحقات القضائية: واقع مرير

الحديث عن الفساد في الجماعات الترابية لا يقتصر فقط على الصفقات المشبوهة أو الاختلالات في التعمير، بل يمتد ليشمل علاقة المسؤولين المحليين بمشاريع كبيرة، تشمل البنية التحتية والإعانات المالية التي تُوجه إلى بعض الفئات أو المجالات. تلك المشاريع، التي يفترض أن تخدم مصلحة المواطن، غالبًا ما تتعرض لعملية استغلال من قبل من هم في مواقع المسؤولية. وفقًا لما يراه الشارع المغربي، فإن الفساد لا يقتصر على المسؤولين عن الشأن المحلي فحسب، وإنما يرتبط  بجهات أعلى في السلطة التي قد توفر لهم الحماية. وهذا ما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير القوى السياسية على سير التحقيقات وكيفية توجيه الاتهامات.

في هذا السياق، يصبح واضحًا أن هناك نوعًا من التراخي في الملاحقات القضائية، فالمسؤولون الذين قد يكونون في مراكز هامة ومتورطين في قضايا فساد ضخمة لا يخضعون لنفس محاكمة المتورطين الأقل تأثيرًا. الرأي العام يعبر عن غضب متزايد من أن الفساد في المغرب لا يتم محاربته بشكل حقيقي، بل يتم تطويعه وتوجيهه في اتجاهات معينة، مما يقوي من تأثير ما يُعرف بـ “الفساد المنظم”.

انتظارات الشعب المغربي: محاكمة الفاسدين بشفافية

إن أكبر انتظار لدى الشعب المغربي اليوم هو أن تكون المحاكمات القادمة للمسؤولين عن الشأن المحلي ذات طابع نزيه وشفاف. فالمواطن المغربي لم يعد مقتنعًا بالتحقيقات الروتينية أو الملاحقات الانتقائية التي تقتصر على بعض الأسماء بينما يتواصل الفساد تحت الطاولة بين آخرين. الناس يريدون أن يروا حسابًا حقيقيًا يبدأ من أعلى المسؤولين، ويشمل كل المستويات التي ساهمت في استنزاف المال العام.

يظل مطلب محاسبة الفاسدين وإيقافهم أحد المطالب الجوهرية التي يعبر عنها المواطنون بشدة. الشفافية والعدالة في المحاكمات، دون تمييز أو استثناء، هي أساس ترسيخ الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة. عندما يرون خطوات فعلية تتجه نحو هذه المحاكمات، ستنمو الثقة في النظام القضائي وفي التزام الدولة بمحاربة الفساد.

وهذا يشمل، على سبيل المثال، الكشف عن جميع العقوبات المقررة للمتورطين، وتوضيح تفاصيل الملفات المالية التي قد تكون قد أساءت استخدامها لأغراض شخصية أو مصالح خاصة. من هنا، تزداد الحاجة إلى إقامة محاكمات علنية لا تقتصر على توقيف بعض الأفراد في كل فترة زمنية، بل تمتد لتشمل محاكمة شاملة لجميع أطراف الفساد في هذه الشبكات المعقدة.

علاوة على ذلك، فإن الشعب المغربي ينتظر من المحاكمات التي طال انتظارها، الاستماع إلى الشهادات، التحقيق في الأموال التي تم تحويلها أو استغلالها، وتقديم الحسابات المالية المتعلقة بالصفقات العمومية والمشاريع الضخمة. فبذلك فقط، يمكن أن تكتسب الحكومة مصداقية في حربها ضد الفساد، ويُعاد بناء الثقة المفقودة بين المواطنين والمؤسسات.

الفساد المنتظر: أسئلة لا إجابات لها

بالرغم من توقيفات الجهات المعنية وتورط عدد من المسؤولين في قضايا فساد في الجماعات الترابية، إلا أن ثمة شعورًا بأن “الفساد المنتظر” لا يزال حاضرًا بقوة. فما يحدث في الواقع هو أن التحقيقات تأتي أحيانًا متأخرة، وقد تتوقف أو تُؤجل حسب الأهواء السياسية، مما يثير القلق حول قدرة المغرب على محاربة الفساد بشكل حقيقي.

في النهاية، يُحتمل أن يظل ملف الفساد هذا مفتوحًا إذا لم تُستكمل التحقيقات بشفافية، وإذا لم يتم محاسبة كل الأطراف المتورطة، بغض النظر عن منصبها أو ارتباطها بالدوائر السياسية والاقتصادية. وبذلك، قد تظل آمال الشعب المغربي في محاربة الفساد مجرد طموحات تائهة في دهاليز السياسة، حتى يظهر نور العدالة ويثبت أن لا أحد فوق القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى