الإحساس بالظلم: حين تغيب العدالة ويتلاشى الأمان
دابا ماروك
الإحساس بالظلم هو شعور بالغ القسوة يتسلل إلى أعماق النفس، يوقظ بداخلنا الرفض والاستياء، ويترك آثارًا عميقة في الروح. هذا الشعور ليس مجرد رد فعل عابر؛ بل هو حالة وجدانية معقدة تتداخل فيها مشاعر الحزن والغضب وفقدان الثقة، مترافقًا مع شعور الإنسان بأنه وقع ضحية لجورٍ وانتهاك.
الظلم قد يتجلى بطرق عدة؛ أحيانًا يكون واضحًا كما في الأحكام القاسية أو السياسات غير العادلة، وأحيانًا يظهر بشكل أكثر خفاءً، كإقصاء مستمر أو عدم تقدير لجهود الإنسان وإنجازاته. ومهما كان الظلم كبيرًا أو بسيطًا، فإن الإحساس به يولد شعورًا مؤلمًا في داخل الفرد يضعف طاقته ويثقل قلبه، ويصعب على الإنسان تجاوزه بسهولة.
تأثير الظلم على النفس
يشعر الإنسان، حينما يواجه الظلم، بأن الحياة قد فقدت توازنها وأن العدالة لم تعد قائمة. يتجلى ذلك في أفكار تملؤها التساؤلات: لماذا يحدث هذا لي؟ لماذا لا يراني الآخرون بإنصاف؟ ويصبح هذا الشعور مُرهقًا عندما يكون الظلم مستمرًا أو حينما يكون من أشخاص مقربين. فالإنسان يبحث بفطرته عن العدالة والتقدير، وعندما يحرم من ذلك، يشعر بأن كيانه ينكمش وأن قيمته تُهمش.
أحيانًا، يدفع الإحساس بالظلم الفرد إلى الانطواء والانفصال عن محيطه، خوفًا من التعرض لمزيد من الأذى، أو تجنبًا لتجربة الإحباط مرة أخرى. بل وقد يُنتج هذا الشعور آثارًا صحية سلبية كالتوتر المزمن، والأرق، وحتى الاكتئاب، لأن الظلم لا يجرح المشاعر فقط، بل يهدد السلام الداخلي للفرد.
مواجهة الظلم
الوقوف في وجه الظلم يتطلب شجاعة عظيمة وقدرة على المثابرة. أول خطوة في تجاوز هذا الإحساس هي الاعتراف بما حدث، وإيجاد مساحات للتعبير عن الألم بدلاً من كتمانه، سواء كان ذلك عبر التحدث إلى أصدقاء حقيقيين أو عبر الكتابة أو طرق أخرى لتفريغ المشاعر. ومن ثم، يتطلب الأمر البحث عن الحلول، حتى وإن كانت صغيرة، لتحقيق العدالة التي يشعر الإنسان بأنها مفقودة، أو على الأقل، لتعزيز الشعور بالقيمة الذاتية التي حاول الظلم تحطيمها.
كثيرًا ما يكون الدعم الاجتماعي مهمًا في مثل هذه الأوقات، فعندما يجد المرء من يستمع له ويشعر بمعاناته، يزداد قوةً وشعورًا بأنه ليس وحيدًا في هذا الصراع.
الدروس المستفادة من الظلم
ورغم الألم، قد يكون الإحساس بالظلم فرصة لإعادة فهم ذواتنا وتعميق وعينا بواقع الحياة. فمن خلال التجربة، نتعلم كيف نقيم الأمور بشكل أوضح، ونفهم الحدود التي علينا وضعها لمنع التعدي على حقوقنا مرة أخرى. كما يعلّمنا الظلم أن نكون أكثر حساسية وعدلاً مع الآخرين، وأن نتفادى في تعاملاتنا اليومية ذلك السلوك الجائر الذي قد يكون أضر بنا ذات يوم.
الظلم والمجتمع
على مستوى أكبر، فإن انتشار الشعور بالظلم في المجتمع يهدد تماسكه واستقراره. إذ يعيش الناس في توتر مستمر، ويصبح الإحساس بالأمان هشًّا، ويقل الإقبال على العمل والمشاركة الفعّالة في الحياة العامة، لأن الظلم يقتل الحافز ويفرغ المعنى من الأشياء. لذلك، من مسؤوليتنا جميعًا، كأفراد وجماعات، أن نساهم في بناء ثقافة العدالة والإنصاف، سواء كان ذلك في أماكن العمل أو بين الأصدقاء، أو في المجتمع ككل.
ختامًا
الإحساس بالظلم تجربة قاسية لكنها ليست نهاية الطريق. بإمكاننا أن نجعل منها فرصةً للتعلم والنمو، وأن نحول ألمنا إلى قوة نستخدمها لتحقيق تغيير حقيقي، سواء في حياتنا الخاصة أو في محيطنا الأكبر. فالعدل، وإن غاب أحيانًا، يبقى دائمًا هدفًا يسعى إليه الإنسان، ويظل الأمل في تحقيقه مصدر طاقة يعيننا على مواجهة هذا العالم بكل ما فيه من تعقيدات وصراعات.