59 سنة على اختطاف المهدي بنبركة: لغز النضال والحقيقة الضائعة
دابا ماروك
تمر 59 سنة على اختفاء المهدي بنبركة، المناضل الذي لم يكن يشبه مناضلي عصرنا الحالي؛ رجل كانت رؤيته تتخطى الحدود، طموحاته أكبر من وطن، وشجاعته تتحدى السياسة والأجندات الدولية. اختفى بنبركة في باريس سنة 1965، إلا أن غيابه لم يكن سوى بداية لسردية مثيرة، إذ اختفى جسده وحضوره، لكنه بقي رمزًا يُحيي الأسئلة ويؤجج الفضول عن تفاصيل اختطافه وتصفيته.
في سجل الاغتيالات السياسية، لا توجد قضية أثارت من الجدل والحيرة ما أثارته قضية بنبركة، التي باتت شاهدة على تاريخ متشابك لا يعترف باليقين. اختفى الرجل ومعه التفاصيل الدقيقة لليلة أكتوبر تلك، حينما غاب في العاصمة الفرنسية، تاركًا خلفه طيفًا من التساؤلات التي، رغم مرور السنين، لم تجد إجابة شافية.
كل محاولات الوصول إلى “الحقيقة الكاملة” لم تثمر سوى روايات متضاربة وتسريبات شحيحة؛ روايات جمعت بين تناقضات الغموض، تأكيدات التشكيك، وصمت السجلات. ومع كل ذكرى تمر، يعود النقاش حول “أين الحقيقة؟” و”ما مصير الجثة؟”. هذا التيه المستمر جعل من قضية بنبركة “لغزًا سياسيًا” ضاع ما بين طيات ملفات سرية ومتاهات المصالح المشتركة.
المدهش في شخصية بنبركة هو صموده كرمز رغم التغييب الجسدي، فقد أصبح يمثل في ذاكرة الأجيال قامة فكرية ووطنية، تحمل مفاهيم النضال والنقد البنّاء بعيدًا عن أنانية المناصب. كان الرجل شغوفًا بمبادئ العدالة، مؤمنًا بضرورة التحرر من كل أشكال الاستعمار السياسي والثقافي، داعيًا باستمرار إلى الحرية والاستقلال، ليس فقط للمغرب، بل لكافة الشعوب المستضعفة.
في المغرب وفرنسا، لم تتوقف معركة كشف الحقيقة، حيث يبدو أن شبح بنبركة، بقدر ما يمثل من قضية عدالة، يمثل تحديًا لمجتمعات تدّعي الشفافية، ولكنه يبرهن على أن الحقائق المدفونة في ملفات الماضي قد تكون أثقل من أن تطفو إلى السطح. ومع كل سنة تمر، يزداد الوعي حول ضرورة استعادة هذه الحقائق مهما كان ثقلها.
يظل بنبركة حيًا في مخيلة الشعب؛ مناضلاً لا ينتمي لهذا الزمن، شخصية متفردة ارتبط اسمها بالحرية، ورسالة منسية في ظل صراعات العصر. إن استمرارية هذا “التيه” بعد 59 عامًا ليست إلا دعوة مفتوحة لكشف الحقيقة وتكريم الحق.