الطلبة أبناء الشعب في الجامعة المغربية: ضحايا مهزلة الفقر والتمييز الاجتماعي
دابا ماروك
تعتبر الجامعة المغربية بمثابة حلم للعديد من أبناء الشعب الذين يسعون لتحقيق طموحاتهم الأكاديمية والمهنية. هذا الحلم الذي ينشده الكثيرون يمثل رمزًا للأمل والتغيير، حيث يُعتبر التعليم العالي المفتاح الذي يفتح أبواب المستقبل، ويتيح للطلبة فرصة الارتقاء بمستواهم الفكري والاجتماعي. إلا أن هذا الحلم سرعان ما يتحول إلى كابوس نتيجة المعاناة اليومية التي يواجهها هؤلاء الطلبة.
فقد أصبحت الجامعات في المغرب، على الرغم من أهميتها، بؤرة لمشاكل عديدة تؤثر سلبًا على جودة الحياة الأكاديمية والاجتماعية للطلبة. فهناك نقص حاد في المرافق الأساسية، مثل المكتبات وفضاءات الدراسة، مما يُجبر الطلبة على التكيف مع ظروف غير ملائمة. كما يواجهون تحديات كبيرة في المنهج الدراسي، حيث يعاني العديد من الطلاب من ضعف التوجيه الأكاديمي والتأطير، ما يؤدي إلى تراجع مستوياتهم الدراسية.
علاوة على ذلك، تتفشى ظواهر العنف والتعصب داخل الحرم الجامعي، مما يزيد من الضغوط النفسية والاجتماعية على الطلبة. يضاف إلى ذلك الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه العديد من الأسر، والذي ينعكس سلبًا على قدرة الطلاب على تكاليف التعليم والعيش الجامعي.
ومع كل هذه التحديات، يبقى طموح الطلبة قائمًا، حيث يسعون جاهدين لتحقيق أحلامهم رغم الظروف القاسية. إن هذه المعضلات تتطلب تظافر الجهود من جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الحكومة إلى الهيئات الجامعية، لضمان توفير بيئة تعليمية صحية وداعمة تُسهم في تنمية جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل.
مطالب تجديد المنحة الجامعية: واقع الفقر وضرورة الزيادة
في أواخر سنة 2011، قامت وزارة التربية الوطنية والمكتب الوطني للأعمال الاجتماعية والثقافية والرياضية للإعلان عن زيادة في قيمة المنحة الجامعية، التي ظلت مستقرة منذ سنة 1973. وهي المنحة التي ظلت محددة آنذاك في 1300 درهم، حيث ظلت تُمنح بشكل دوري ثلاث مرات في السنة الجامعية. وقد وصلت بنسبة 50%، مع رفع عدد المستفيدين من 37% إلى 50%.
ومع ذلك، يبقى سقف المنحة الحالية محددًا في 2500 درهم، ونسجل أن هناك تلاعبات على مستوى العمالات، حيث يستفيد البعض من لا حق له في المنحة، بينما يُحرَم العديد من أبناء الفقراء. لذا، وبعد 38 سنة من تجميد المنحة، شهدت المنحة الجامعية زيادة في سنة 2011، والآن، مرت 13 سنة أخرى دون تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال.
ومن جملة المشاكل التي يعاني منها الطلبة نذكر :
1. الاكتظاظ في الحافلات
تعتبر وسائل النقل، وخاصة الحافلات، من أبرز التحديات التي تواجه الطلبة. الاكتظاظ الشديد في ساعات الذروة يجعل من الصعب على الطلبة الوصول إلى قاعاتهم الدراسية في الوقت المحدد. الكثير من الطلبة يضطرون للانتظار لفترات طويلة حتى تتوفر حافلة، وفي حال وجودها، فإن فرصة الحصول على مكان داخلها تكون شبه مستحيلة. هذا الاكتظاظ لا يقتصر فقط على الصعوبة في التنقل، بل يمتد ليشكل ضغطًا نفسيًا وبدنيًا على الطلبة الذين يعانون من ظروف تعليمية صعبة بالفعل.
2. صعوبة العيش في الكراء
بالنسبة للطلبة الذين لا يمكنهم الإقامة في الحي الجامعي، فإن مسألة الكراء تصبح عبئًا إضافيًا. الأسعار المرتفعة للمساكن وعدم توفر خيارات مناسبة يضعان الطلبة في مأزق. الكثير منهم يعيشون في غرف ضيقة أو شقق مشتركة مع عدد كبير من الأشخاص، مما يؤثر على تركيزهم وقدرتهم على الدراسة. بعضهم يضطرون للعمل أثناء الدراسة لتغطية تكاليف الإيجار، مما يشتت انتباههم عن واجباتهم الأكاديمية.
3. الأكل المتواضع
الطلبة الذين يعيشون بعيدًا عن أسرهم غالبًا ما يواجهون تحديات في تأمين وجبات غذائية كافية ومتوازنة. العديد من الطلبة يضطرون للعيش على الوجبات السريعة أو الأكل الجاهز، بسبب عدم توفر الوقت أو الموارد المالية للطهي. هذه العادات الغذائية السيئة تؤثر سلبًا على صحتهم، مما يؤدي إلى تدني مستوى الطاقة والتركيز خلال المحاضرات.
4. صعوبة الحصول على الدعم الأكاديمي
الكثير من الطلبة أبناء الشعب لا يمتلكون الموارد اللازمة للحصول على دروس دعم أو مواد دراسية إضافية. هذا النقص في الدعم الأكاديمي، إلى جانب الاكتظاظ في الفصول الدراسية، يجعل من الصعب على الطلبة فهم المواد بشكل جيد. وبذلك، يجدون أنفسهم في دوامة من الفشل الأكاديمي والإحباط.
خاتمة
في ختام هذا الحديث عن واقع الجامعة المغربية، يتبين أن التحديات التي تواجهها لا تقتصر فقط على الجوانب الأكاديمية، بل تمتد لتشمل الأبعاد الاجتماعية والنفسية والاقتصادية أيضًا. إن الجامعة، التي يُفترض أن تكون منارة للمعرفة والإبداع، أصبحت اليوم تعاني من العديد من النقائص والمشاكل التي تؤثر على جودة التعليم وتجربة الطلبة بشكل عام.
تتطلب هذه الوضعية تفكيرًا جادًا وحلولًا شاملة، تبدأ بتوفير البنية التحتية اللازمة، وتحسين المناهج الدراسية، وتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة. يجب أن تكون هناك مبادرات تشاركية تشمل الطلبة، الأساتذة، والإدارة الجامعية لوضع خطة عمل فعالة تهدف إلى معالجة هذه القضايا. كما أن دور الحكومة والمجتمع المدني لا يمكن تجاهله، إذ يجب أن يتم وضع سياسات تعليمية تدعم تطوير التعليم العالي وتحسن من ظروف الدراسة.
في الوقت نفسه، ينبغي على الطلبة أنفسهم أن يتحدوا في مواجهة هذه المصاعب، من خلال تكوين جمعيات طلابية فعّالة تُعبر عن صوتهم وتدافع عن حقوقهم. فالتضامن والعمل الجماعي هما من أهم أسس التغيير، ولعلّ التجارب الناجحة في بعض الجامعات المغربية قد أظهرت أن التحرك الجماعي يمكن أن يحدث فارقًا حقيقيًا.
إن الأمل في تحسين واقع الجامعة المغربية لا يزال قائمًا، وهو يتطلب جهدًا جماعيًا وتعاونًا بين جميع المعنيين. فبتوفير بيئة تعليمية مناسبة، يمكن أن تعود الجامعة إلى مكانتها كحاضنة للمعرفة والابتكار، ومنصة لتحقيق أحلام الشباب المغربي. إن الاستثمار في التعليم العالي هو استثمار في المستقبل، وبتكاتف الجهود، يمكن أن نصنع واقعًا جديدًا يحقق طموحات أبناء هذا الشعب.