مجتمع

احذر من الوشاة المتسترين بالود: الثقة الزائدة قد تكلفك غاليًا

دابا ماروك

الحياة الاجتماعية تتطلب توازنًا دقيقًا بين الانفتاح والثقة من جهة، والتحفظ والحذر من جهة أخرى. كثيرًا ما تدفعنا الرغبة في مشاركة أفكارنا وهمومنا إلى إطلاع الآخرين على بعض جوانب حياتنا الشخصية، سعيًا وراء النصح أو التخفيف من أعباء المواقف الصعبة. لكن، ليس كل شخص يبدو ودودًا وصادقًا هو في الحقيقة أهل للثقة، فالنيات قد تكون مغايرة للمظهر، وتجد بعض الأفراد يتلقون هذه الأحاديث بنية مختلفة تمامًا عن التي توقعتها.

عندما تعبر للآخرين عن موقف معين أو تستشيرهم في قضية شخصية، تجد أن بعضهم يلتقط هذه الفرصة ليحوّل ما يسمعه إلى أداة لصناعة الشائعات أو وسيلة لتقوية علاقاته مع أطراف أخرى. في كثير من الأحيان، يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى أساليب الزخرفة والتحوير في نقل ما سمعوه، بهدف تضخيم القصة وإعطائها طابعًا دراميًا أكثر من حقيقتها، وكأنهم ينسجون رواية درامية يشكّلونها بما يناسبهم.

مثل هؤلاء الأشخاص “الراشدون” لا يبالون بآثار تصرفاتهم، بل قد ينظرون إلى الوشايات على أنها إنجازات أو نجاحات شخصية، لأنها تعطيهم إحساسًا بالقوة والسيطرة على حياة الآخرين، فيوهمون أنفسهم بأنهم قادرون على تحريك الأمور، حتى ولو على حساب سعادة أو استقرار الآخرين. فتجدهم، دون وازعٍ أخلاقي، يتسببون في إلحاق أضرار قد تكون جسيمة على علاقات عمل، صفقات مهنية، أو حتى روابط عائلية وثيقة.

المفارقة العجيبة هي أن هذه الفئة، حينما تتحدث عن القيم والأخلاق، تتقن فن تبرير تصرفاتها، وتلعب دور الضحية أحيانًا، وكأن سلوكها هو نوع من “الحكمة” أو “الحرص على الحقيقة”. ومع مرور الوقت، قد ينسج هؤلاء “الواشون” شبكة معقدة من الأكاذيب والعلاقات المبنية على الوشاية والنفاق، ما يجعلهم يستمتعون بخلق عداوات وتوترات بين الآخرين، ويستمرون في هذا النمط دون شعور بالذنب.

في المقابل، ينبغي للفرد في المجتمع أن يتبنى نهجًا واعيًا وحذرًا عند التفاعل مع الآخرين، بحيث يميز جيدًا بين من يستحق ثقته ومن يحمل وراء المظهر الودود نوايا غير سليمة. فالمثل القديم يقول: “ليس كل من ابتسم لك صديق، وليس كل من مدحك مؤتمن.” إن الثقة الزائدة في كل من يقابلك قد تجعلك ضحية سهلة لمن يتفنن في فنون نقل الكلام وتوظيفه لأهدافه الخاصة.

التعامل مع الناس بحذر لا يعني أن تتجنب تمامًا مشاركة همومك أو مشاكلك، بل يعني أن تتعامل بفطنة، وأن تختار بعناية من تستشيرهم أو تتحدث معهم عن الأمور الخاصة. حاول أن تكون محاورًا حكيمًا، تُقيّم الأمور بعقلانية، وأن تبني علاقاتك على الثقة التي تترسخ مع الزمن، وليس على الكلام العابر.

وفي النهاية، فإن القدرة على التمييز بين الصديق الصادق والوشاية المغرضة تعد مهارة أساسية، يجب أن يتعلمها كل فرد يسعى للعيش في مجتمعٍ يقدّر النزاهة والأمانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى