ثورة الغضب: حين يصبح الغلاء سلاحًا ضد الفقراء في المغرب
دابا ماروك
يبدو أن المغرب، في السنتين الأخيرتين، دخل في مرحلة من الاضطراب السياسي والاجتماعي غير المسبوق، حيث ارتفعت أصوات السخط والاحتجاج من مختلف فئات المجتمع. إن الاحتجاجات والإضرابات التي تشهدها البلاد لم تعد مقتصرة على فئة معينة أو قطاع محدد، بل أصبحت تعبر عن حالة من الاستياء الجماعي تشعر بها شرائح واسعة من المجتمع، من المحامين ورجال التعليم إلى الأطباء والممرضين، مرورًا بالموظفين الجماعيين وموظفي وزارة العدل والمواطنين العاديين.
تظهر هذه التحركات، التي تعكس ضيقًا حادًا من السياسات الحكومية، جوانب عديدة من الأزمة الراهنة. فهناك أزمات عدة تتقاطع لتشكل معًا بيئة من التوتر والغضب، بدءًا من الأوضاع الاقتصادية المتردية، التي زادت من وطأة الغلاء المعيشي، وصولًا إلى تراجع الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة. إن المواطنين الذين كانوا يعلقون آمالهم على تحسينات ملموسة، وجدوا أنفسهم بدلًا من ذلك في مواجهة ظروف قاسية جعلتهم ينظرون إلى الحكومة كعائق أمام تحقيق رفاهيتهم.
ويبدو أن الحكومة الحالية قد حطمت الرقم القياسي في سخط المغاربة، حيث تشهد البلاد إضرابات في قطاع العدل، بما في ذلك المحامون، الذين يعبرون عن استيائهم من تراجع الثقة في النظام القانوني. في حين يُستثنى القضاة من هذا الحق، مما يُشعر الجميع بعدم توازن في المعايير التي تحكم حقوق المهنيين. كذلك، يتعرض قطاع الصحة لضغوط إضافية، حيث يعاني الأطباء والممرضون من ظروف عمل غير ملائمة ونقص في الموارد، مما يزيد من تعقيد التحديات التي تواجههم.
وفي الوقت نفسه، يمر قطاع التعليم بفترة عصيبة، حيث يواجه رجال التعليم التحديات لا من طلبتهم فقط، بل من الحكومة نفسها، التي تُفضل استخدام القوة في التعامل مع المطالب بدلاً من فتح حوار جاد. هذه الديناميكية تُظهر بشكل واضح كيف أن السياسات الحكومية تُفضل الردود القاسية على المطالب العادلة، مما يترك آثارًا سلبية على مستقبل التعليم في البلاد.
ومع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، بما في ذلك المحروقات والخضراوات، بدأ المواطنون يدركون أن وضعهم الاقتصادي لم يعد يحتمل. يبدو أن الغلاء قد أصبح بمثابة “ثورة ضد الفقراء”، حيث يتم التضحية بفئات واسعة من المجتمع في سبيل تحقيق مصالح معينة. إن التحركات الشعبية، التي تنطلق من حاجة ملحة لتحسين ظروف الحياة، تعكس مشاعر الإحباط والغضب من الزيادات المتلاحقة في الأسعار، والتي يبدو أنها تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا.
وفي خضم هذه الأوضاع، يظهر تناقض صارخ في كيفية معاملة الوزراء السابقين، الذين استفادوا من مزايا التقاعد المريحة بعد مغادرتهم لمناصبهم، مما يزيد من حالة الإحباط بين المواطنين الذين يرون أن الحكومة المحكومة لم تقدم شيئًا ملموسًا يُذكر. هذه الفجوة بين الطبقات تعكس انعدام التوازن في إدارة الموارد الوطنية، ويُسلط الضوء على الهوة المتسعة بين الطبقات الاجتماعية.
نسجل هنا وكسابقة في التاريخ السياسي على المستوى العالمي أن يقود حزبا قيل إنه سياسي ثلاثة وجوه، مما يجعل المشهد السياسي المغربي أكثر تعقيدًا وإرباكًا. في ظل هذا الوضع، يتعزز انعدام الثقة بين الحكومة والشعب، ويصبح من الصعب تحقيق أي تقدم أو إصلاحات حقيقية.
إجمالًا، فإن الوضع الراهن يعكس أزمة عميقة في المجتمع المغربي، حيث لا تبشر بالخير وتتداخل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مُسببة حالة من عدم الاستقرار. وفي الوقت الذي يسعى فيه المواطنون لتحسين ظروفهم، يبقى السؤال المطروح: كيف يمكن للحكومة أن تعيد بناء الثقة مع شعبها وتستعيد مصداقيتها في مواجهة هذه التحديات المتعددة؟ إن المستقبل يتطلب استجابة فعالة وحوارًا جادًا، يتجاوز الصراعات الحالية نحو رؤية مشتركة تتعلق بمصير البلاد واستقرارها.