مجتمع

عين على الشارع: دور المخبرين في المجتمع المغربي بين الضرورة الأمنية وتحديات الخصوصية

دابا ماروك

المخبرون أو “عيون السلطة” يمثلون أحد أركان الأنظمة الأمنية في معظم دول العالم، ويختلف دورهم وأهميتهم بحسب السياق السياسي والاجتماعي والثقافي لكل بلد. في المغرب، لطالما كان للمخبرين دور بارز عبر مختلف الفترات التاريخية، ويعود هذا إلى أهمية المعلومات بالنسبة للأنظمة الأمنية المغربية في ظل البيئة السياسية والاجتماعية المعقدة.

دور المخبرين في النظام الأمني المغربي

تعتبر الأجهزة الأمنية المغربية من بين الأقوى في منطقة شمال إفريقيا، ولديها مهام متعددة تتنوع بين حفظ الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وتلعب شبكة المخبرين دورًا هامًا في تزويد هذه الأجهزة بالمعلومات الضرورية للقيام بمهامها، خاصة في القضايا الحساسة التي تتطلب مراقبة واسعة أو وجود عيون على الأرض، كما هو الحال في بعض الأحياء الشعبية والمناطق القروية التي قد تكون أكثر عرضة للجريمة أو التطرف.

يعمل المخبرون في المغرب بشكل غير معلن، وغالبًا ما يكونون أفرادًا من المجتمع المحلي يتم تجنيدهم من قبل الأجهزة الأمنية، حيث يسهل عليهم التغلغل في الأنشطة الاجتماعية ومؤسسات التعليم العالي ومراقبة التحركات غير الاعتيادية. ويعتمد أسلوب عملهم على جمع المعلومات ومراقبة الأنشطة داخل المجتمعات المحلية، سواء من خلال التواصل المباشر مع المواطنين أو من خلال التنصت غير المباشر.

شبكات المخبرين في المغرب: جيش سري من مختلف شرائح المجتمع

في المغرب، حيث يُقال إن عدد المخبرين يكاد يساوي عدد غيرهم، يتكون هذا “الجيش السري” من شرائح متعددة من المجتمع. فالمخبرون ليسوا فقط موظفين رسميين، بل يشملون بقالين، وتجارًا صغارًا، وعاطلين عن العمل، ومتقاعدين في الأحياء الشعبية. يتوزع هؤلاء المخبرون عبر المناطق الصناعية والجامعات، حيث تتم مراقبة كل ما يجري في المجتمع، وذلك ضمن هاجس أمني يتمثل في جمع المعلومات والتجسس على تفاصيل حياة المواطنين.

تخصص كل ملحقة إدارية (مقاطعة) قسمًا لهذه المهام، يُعرف سابقًا باسم “الشؤون العامة”، وأصبح يُعرف بـ “الشؤون الداخلية”، التي تعنى بجمع المعلومات وإعداد التقارير. في بعض المقاطعات، يُمنح المخبرون الأولوية في تلقي المعلومات ومعالجتها، حتى قبل الشيوخ والمقدمين. وفي مثال على ذلك، نجد أن باشوية الهرهورة تستقبل صباحًا عددًا من المخبرين من مختلف الحرف اليدوية، والعاملات المنزليات، الذين يأتون لنقل المعلومات، خصوصًا حول الفيلات التي تستضيف زبائن من بعض الدول العربية في سياق تجاري.

أما فيما يتعلق بمكافآت هؤلاء المخبرين، فمنهم من يحصل على بطاقات إنعاش، بينما يعتمد آخرون على إيجاد طرق أخرى لتدبر أمرهم، في مشهد يعكس مدى تنوع شبكات المخبرين في المغرب والطابع غير الرسمي الذي قد يميز عمل بعضهم.

 الجوانب الأخلاقية والمجتمعية لتواجد المخبرين

تسبب وجود المخبرين في المغرب، على مر العقود، في شعور بعض أفراد المجتمع بعدم الثقة بين الأفراد. إذ أن المعرفة بوجود أشخاص يتجسسون على الأنشطة اليومية للمواطنين خلقت نوعًا من الرقابة الذاتية التي قد تؤثر على حرية التعبير لدى البعض، حيث يخشى بعض الأفراد من الحديث عن مواضيع حساسة خوفًا من الإبلاغ عنهم.

وتختلف الآراء حول مدى شرعية وأهمية دور المخبرين. فمن جهة، يرى بعض المغاربة أن وجود المخبرين ضرورة لتوفير بيئة آمنة تتصدى لأي تهديدات محتملة. بينما يعبر آخرون عن قلقهم من أن يُساء استخدام المعلومات التي يجمعها هؤلاء، خاصة إذا ما استخدمت لتصفية حسابات.

تأثير التطور التكنولوجي على عمل المخبرين

مع التقدم التكنولوجي وظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تراجع اعتماد الأجهزة الأمنية على المخبرين التقليديين بقدر ما كانت تعتمد عليهم سابقًا. فباتت هذه الأجهزة تعتمد بشكل متزايد على المراقبة الإلكترونية، سواء من خلال متابعة المحادثات والتفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال الكاميرات المنتشرة في الشوارع والأماكن العامة.

ومع ذلك، لا يزال للمخبرين دور حيوي، خاصة في القضايا التي تتطلب معلومات دقيقة يصعب الحصول عليها عبر الوسائل الإلكترونية، مثل العلاقات الاجتماعية المعقدة أو الأنشطة التي يتم التستر عليها في الأماكن المغلقة.

خلاصة

يظل دور المخبرين في المغرب متغيرًا، بين الضرورة الأمنية والنقد المجتمعي. ومن المهم التأكيد على ضرورة توازن الأجهزة الأمنية بين حاجتها إلى المعلومات وحماية حقوق الأفراد، بما يكفل بناء مجتمع آمن دون انتهاك حقوق الإنسان أو المساس بثقة المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى