التعديل الحكومي المرتقب: حين يبقى أخنوش وتقرر اليد الخفية مصير البقية!
دابا ماروك
في ظل ترقب التعديل الحكومي المرتقب في المغرب، تقف الساحة السياسية على صفيح ساخن، حيث يتابع الرأي العام باهتمام بالغ ما ستؤول إليه التغييرات في تشكيلة الحكومة الحالية. يتبادر إلى الأذهان تساؤلات كثيرة حول مصير بعض الوزراء، خاصة في ظل تلميحات وتصريحات متناقضة حول بقاء البعض ومغادرة آخرين. ومع ذلك، يبقى الأمر في النهاية رهينًا بقرار “المخزن”، الذي لا يزال يلعب دورًا جوهريًا في تحديد ملامح الحكومات المغربية، بل وفي رسم السياسات العليا التي قد تتجاهل في بعض الأحيان الإرادة الشعبية.
إن التعيينات الأخيرة في صفوف الولاة والعمال قدمت صورة واضحة عن سياسة “المخزن” في مواجهة تحدياته الداخلية. هذه التعيينات أثارت العديد من التساؤلات حول مدى توافقها مع المطالب الشعبية المتزايدة، خصوصًا وأن بعض الأسماء كانت محط انتقادات حادة بسبب سياسات سابقة أو مواقف بعيدة عن تطلعات المواطن العادي. وبينما يتواصل الجدل حول هذه التعيينات، تظل الحقيقة الثابتة هي أن “المخزن” يحافظ على توازناته الخاصة التي قد لا تكون دومًا في صالح الديمقراطية كما يتطلع إليها البعض.
في هذه اللعبة السياسية التي تديرها “السلطة العليا”، نجد أن الوزراء ليسوا دائمًا في منأى عن توجيهات المخزن، بل إن بعضهم قد يتجاوز الحدود المألوفة في سلوكه السياسي، سواء من حيث الأداء أو التصريحات. هذا التجاوز، رغم انتقاداته الشعبية، يبدو أنه يأتي أحيانًا بمباركة ضمنية من المخزن، الذي يترك الحرية لبعض الوزراء للقيام بما يحلو لهم، طالما أن ذلك لا يمس المصالح العليا للسلطة. وزير أو آخر قد يكون منبوذًا في الشارع لكنه مفيد للمخزن في تحقيق أهداف بعيدة عن الأضواء، وهو ما يفسر بقاء بعض الشخصيات المثيرة للجدل في مناصبها، رغم كل الانتقادات الموجهة إليها.
ومن بين الأسماء التي يثير ذكرها الجدل في الشارع المغربي، يبقى عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي، والذي ارتبط اسمه بمقولته الشهيرة “مستعدون لإعادة التربية”. هذه العبارة التي فجرت موجة من النقاشات والسخرية على حد سواء، تعكس جزءًا من السلوك السياسي لأخنوش، الذي يبدو أنه محصن إلى حد كبير ضد أي تغييرات مرتقبة. فمهما كان شكل التعديل الحكومي القادم، هناك شبه إجماع شعبي على أن أخنوش سيبقى في منصبه، ليس فقط بسبب منصبه كرئيس للحكومة، بل لأنه يمثل أحد أركان المخزن الذي يعتمد عليه في تنفيذ سياساته الاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك وزراء آخرين قد يجدون أنفسهم خارج الحكومة في التعديل القادم، إما بسبب ضعف أدائهم أو لعدم توافقهم مع التوجهات الجديدة. فالتغيير جزء من اللعبة السياسية، والمخزن، رغم قوته في التحكم في زمام الأمور، قد يضطر إلى إجراء تعديلات لإعادة التوازن إلى الساحة السياسية ولتهدئة الشارع الذي بات يطالب بشكل متزايد بالإصلاحات.
لكن في نهاية المطاف، يبقى “المخزن” هو اللاعب الرئيسي في تحديد مسار الحكومة المغربية، سواء من حيث الأشخاص أو السياسات. الحكومة قد تتغير، والوجوه قد تتبدل، لكن الهيمنة الفعلية على القرار السياسي تبقى بيد المخزن، الذي يعرف كيف يوجه الأمور لصالحه، حتى وإن كان ذلك على حساب تطلعات الشعب.
يبقى المشهد السياسي المغربي معقدًا ومتشابكًا، حيث تتداخل المصالح الشخصية والسياسية مع السلطة العليا للمخزن. وبينما ينتظر المواطن المغربي بفارغ الصبر ما ستسفر عنه التعديلات الحكومية المرتقبة، تبقى الحقيقة المؤلمة هي أن الكلمة الفصل ليست بيد الشعب أو ممثليه المنتخبين، بل بيد “المخزن” الذي يقرر مصير البلاد وفقًا لحساباته الخاصة، التي قد لا تكون دائمًا في مصلحة الشعب، ولكنها بالتأكيد تخدم مصالحه هو.
في النهاية، ربما لا يهم من يغادر ومن يبقى، لأن النتيجة ستكون في الغالب هي استمرار نفس النهج السياسي، الذي يحافظ على توازنات المخزن ويؤجل الإصلاحات الجذرية التي يطالب بها الشعب. وكما هو الحال دائمًا، يبقى المواطن المغربي المتفرج الأكبر على مشهد سياسي لا يملك فيه سوى هامش ضئيل من التأثير.