في وجه اللوبيات والأسعار الملتهبة: هل يُترك المواطن المغربي وحيداً في صراع البقاء؟
دابا ماروك
إن الزيادات المتواصلة في أسعار المواد الاستهلاكية، من مواد غذائية وخدمات أساسية كالماء والكهرباء، قد أصبحت واقعاً يضغط على المواطن المغربي، خاصة من ينتمون للطبقات المتوسطة وذات الدخل المحدود، بل وحتى فئة الموظفين الذين باتوا يعانون من غلاء المعيشة. مع ارتفاع أسعار الأدوية وارتباطها بلوبيات تتحكم في السوق، وكذلك سيطرة بعض الشركات على قطاع المحروقات، لم يعد بإمكان المواطن تحمل المزيد من الأعباء، خاصةً مع تزايد التضخم وضعف القدرة الشرائية.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، أصبح المواطن يمني النفس بأن تظل المواد الغذائية والخضروات حبيسة السوق المحلي، دون ارتفاع إضافي في أسعارها بفعل الصادرات. إذ يرى أن تصدير الخضر والفواكه للخارج، رغم فوائده الاقتصادية المتمثلة في جلب العملة الصعبة، قد يزيد من معاناته، نظراً لما يترتب عليه من ضغط إضافي على الأسعار المحلية بسبب نقص العرض. فالواقع يقول إن قطار الأسعار قد خرج عن السيطرة، متجهاً نحو ارتفاعات أكبر مع تزايد الطلب الخارجي، بينما المواطن المحلي يقف عاجزاً عن مجاراة هذا الارتفاع المتسارع.
ولا يمكن إغفال أن هذه الأزمة الاقتصادية لها انعكاسات مباشرة على السلم الاجتماعي والاستقرار النفسي للأسر المغربية. فالأسعار المتزايدة لا تضعف فقط القدرة الشرائية، بل تزيد من حالات القلق والتوتر التي يعاني منها المواطنون، ما يدفعهم للبحث عن حلول تضمن لهم الاستقرار المالي والمعيشي، كاللجوء إلى القروض الاستهلاكية أو التضحية بجزء من ضرورياتهم الأساسية.
ومن الواضح أن معالجة هذه الأزمة تستلزم تدخلات من الحكومة في شكل إجراءات عملية، تشمل خفض الضرائب على بعض المواد الأساسية، ودعم الأدوية الضرورية، وتفعيل رقابة مشددة على لوبيات الأسعار التي تؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمواطن. كما ينبغي العمل على تحقيق توازن بين أهداف الدولة في جلب العملة الصعبة وتنمية الاقتصاد، وبين الحاجة الملحة لحماية الطبقات الهشة من تبعات هذه الزيادات المتتالية.
ختاماً، فإن بناء اقتصاد قوي ومستدام لن يتم فقط من خلال رفع مستوى الصادرات، بل عبر توفير معيشة كريمة للمواطن المغربي وضمان حقوقه في العيش بكرامة بعيداً عن ضغوط الأسعار وتقلباتها.
إن الحاجة إلى حلول جذرية تزداد لمعالجة هذه الأزمات الاقتصادية التي باتت تهدد شريحة واسعة من المواطنين الذين يعيشون على حافة الضياع بصمت. هذه الفئة، التي لا تلجأ إلى التسول أو طلب المساعدة علناً، هي جزء أساسي من المجتمع المغربي، تكافح بكرامة من أجل تأمين احتياجاتها الأساسية. قد تكون هذه الأسر من الطبقات المتوسطة الدنيا، أو عائلات تملك مصادر دخل محدودة تقيها من الفقر المدقع لكنها لا توفر لها حياة كريمة.
الفئة الصامتة هذه هي التي تتحمل اليوم العبء الأكبر، فبالرغم من أن وجوهها لا تظهر في الإعلام، وأن صوتها لا يُسمع على منصات الاحتجاج، إلا أنها تعيش ضغطاً يومياً خانقاً يهدد أمنها واستقرارها النفسي. إنها الأسر التي تُخفي قلقها وراء أبواب مغلقة، والأفراد الذين يحاولون جاهدين الحفاظ على ماء الوجه في مجتمع يتزايد فيه الفقر وتتضاءل فيه الفرص.
لذا، لا يمكن النظر إلى هذه الفئة باعتبارها مجرد رقم ضمن إحصائيات الفقر، بل يجب أن تكون هدفاً للسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تضمن حماية كرامة المواطن وتعيد التوازن إلى حياة المغاربة. فالعمل على تحسين الظروف المعيشية لهذه الفئة قد يسهم في خلق مجتمع أكثر استقراراً وأمناً، حيث يزدهر الاقتصاد الوطني بعيداً عن الاضطرابات الاجتماعية. إن السبيل إلى تحقيق هذا لا يكمن فقط في قرارات ظرفية أو حلول ترقيعية، بل في وضع استراتيجية شاملة تدعم التوازن بين الاحتياجات الإنسانية والتنمية الاقتصادية، وتوفر حياة كريمة لجميع المغاربة دون استثناء.