الرأي

حمام الفوسفاط: وقفة احتجاجية في بئر من العار ومكتسبات تذوب في غبار التقشف!

دابا ماروك

في عرض فرجوي جديد ومثير، تنظم النقابة الحرة للفوسفاط التابعة للاتحاد المغربي للشغل، يوم الأحد 10 نوفمبر 2024، وقفة احتجاجية بطابع خاص أمام المقر الإداري للفوسفاط في الدار البيضاء. الحدث هنا ليس مجرد وقفة؛ بل هو “مشهد من أعماق الفوسفاط”، حيث قررت النقابة أن تسبح مع العاملين والمتضامنين في بئر من الذل الاجتماعي الذي صاغته الإدارة، ويُعرف شعبياً باسم “ميثاق العار” أو ما اصطلح على تسميته بــ “CAP”.

ومع أن المغرب قد صادق على الاتفاقيات الدولية 98 و154، يبدو أن الفوسفاطيين يتعاملون مع نسخة مغربية معدلة، حيث يُتهم “الميثاق” بسحق البنود القانونية ودوس المشروعية الديمقراطية تحت أطنان من الصخور البيروقراطية؛ إذ لا يشمل فقط تجاهلًا تامًا لنتائج الانتخابات المهنية، بل أيضًا تعطيلًا غير رسمي للقانون المنجمي الظهير 1.60.007.

وكما لو أن هذا المشهد لم يكن كافياً، فإن النقابة الحرة تتحدث عن انتقام مؤسساتي غريب من الشغيلة الفوسفاطية بسبب اختيارهم لخطها النضالي، وكأن كل مستخدم يختار هذه النقابة يحصل على بطاقة عضوية مفتوحة للمشقة والمعاناة، خصوصاً مع اشتداد التضييق على المكتسبات المهنية والاجتماعية كالسكن، الصحة، التعليم، والترقية التي تحولت إلى سراب من الوعود المعلقة.

أما الحوادث المهنية، فقد أصبحت “عادات يومية” تضفي طابعاً مأساوياً على حياة الفوسفاطيين، إذ يشير آخرها إلى حادثة مميتة في الجرف الأصفر يوم 23 أكتوبر، حيث قضى فيها العامل الشهيد بدر لكسير، في واحد من مشاهد “أفلام الرعب الفوسفاطية” التي تقدمها المؤسسة بالمجان.

وفيما يبدو وكأنها “صفقة القرن” بين الإدارة و”التنسيق الرباعي” – الذي يظهر أنه يسعى لتسجيل أرقام قياسية في التهاون الاجتماعي – لم يتبقَّ للعمال سوى اجترار نكباتهم، حيث تسجل الخدمات الاجتماعية انخفاضات حادة في شتى المجالات؛ فالتغطية الصحية أصبحت تصارع لتُكَيِّفَ وضعها مع صناديق التأمين الإجباري AMO، استعداداً لانطلاقها في 2026، بينما مشاريع السكن لا تزال تعاني من “التبخر” المزمن.

أما النوادي الاجتماعية والمخيمات الصيفية والتعاقدات الفندقية، فقد باتت بدورها ضحية لهذا التقشف الاجتماعي الفوسفاطي، حيث تتلاشى الخدمات الاجتماعية تدريجياً من حياة الفوسفاطيين، تاركةً العمال يسبحون في الفوسفاط، لكن بعمق يزيد عن الحاجة، حتى ليبدو أن المناجم أصبحت بلاط “حمام فوسفاطي” يمتد على مرمى البصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى