فن وثقافةمجتمع

من يرتزق باسم الأمازيغية في المغرب: بين الاستغلال التجاري والتلاعب السياسي

محمد صابر

في المغرب، تحظى الثقافة الأمازيغية باهتمام واسع، خاصة بعد الاعتراف بها كجزء من الهوية الوطنية في الدستور المغربي عام 2011. ولكن هذا الاعتراف لم يمنع بعض الأطراف من استغلال الأمازيغية في مجالات متعددة، سواء كانت تجارية، سياسية، أو ثقافية، بهدف تحقيق مكاسب شخصية أو تجارية. وفي ظل هذا السياق، يظهر سؤال مهم: من يستفيد حقاً من الأمازيغية، ومن يرتزق باسمها؟

الاستغلال التجاري للأمازيغية

باتت الأمازيغية اليوم عنصراً جاذباً للعديد من التجار ورواد الأعمال، الذين يسعون إلى تحويل هذا الموروث الثقافي إلى وسيلة لتحقيق الربح. يلاحظ انتشار المنتجات التي تحمل رموزاً أمازيغية أو أسماء مستوحاة من الثقافة الأمازيغية، مثل الملابس والحلي وحتى الأغذية. ورغم أن بعض هذه المبادرات تعكس اعتزازاً بالتراث الأمازيغي، فإن البعض الآخر يفتقر إلى الحس الثقافي العميق، حيث يتم استخدام الرموز الأمازيغية كديكور فقط لجذب المستهلكين وتحقيق الأرباح دون تقديم أي قيمة فعلية للثقافة الأمازيغية.

التلاعب السياسي باسم الأمازيغية

بجانب الاستغلال التجاري، تستخدم الأمازيغية في المجال السياسي كوسيلة للوصول إلى مكاسب حزبية أو شخصية. تقوم بعض الأطراف السياسية برفع شعارات الدفاع عن الحقوق الأمازيغية كوسيلة لكسب التأييد الشعبي، بينما قد تغيب هذه القضية فعلياً عن برامجهم التنفيذية. وتبرز هذه الاستراتيجية بشكل خاص خلال الفترات الانتخابية، حيث تصبح الأمازيغية وسيلة لاستقطاب أصوات الناخبين دون تقديم التزامات حقيقية أو مواقف واضحة للدفاع عن حقوق الأمازيغ.

الإعلام والأمازيغية: بين الترويج السطحي وتعميق الفهم

كما يلعب الإعلام دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام حول الثقافة الأمازيغية، غير أن بعض الجهات الإعلامية تستغل هذا الموضوع بغرض تحقيق مكاسب رخيصة أو نسب مشاهدة عالية أو جذب الإعلانات، دون السعي إلى نشر المعرفة الحقيقية حول الأمازيغية. يركز الإعلام في كثير من الأحيان على قضايا سطحية أو مثيرة للجدل على حساب المواضيع العميقة التي تهم الثقافة الأمازيغية وتاريخها وتطورها الاجتماعي.

نماذج الارتزاق باسم الأمازيغية: بين طموح الشهرة وسعي المرتزقة

في المشهد الثقافي والسياسي المغربي، نجد بعض النماذج التي تتخذ من الأمازيغية رأس مال للارتزاق، حيث لا يتوقفون عن الطواف هنا وهناك تحت شعارات النضال الأمازيغي، بحثاً عن مناصب ورواتب شهرية تُدرّ عليهم باسم “القضية”. يقوم هؤلاء المرتزقة باستغلال الخطاب الأمازيغي كوسيلة للوصول إلى منافع شخصية دون تقديم قيمة حقيقية، سواء للغة أو للثقافة الأمازيغية. ورغم سعيهم لخلق صورة مضللة عن وجود صراعات حادة، يجدر التنويه بأن المغرب ليس في حالة حرب أهلية، وأن مجتمعنا يتميز بالتعايش بين جميع مكوناته.

من الجدير بالذكر أن المثقفين والمتابعين المخلصين للثقافة الأمازيغية باتوا قادرين على التمييز بين هؤلاء “الأقزام” وبين الشرفاء الذين يقدمون الدعم والتوعية بصدق وإخلاص، دون تزييف أو تلاعب. فهؤلاء الشرفاء يُعَبرون عن تطلعات المجتمع الأمازيغي الحقيقية، ولا يسعون لتحقيق مصالح شخصية أو الوصول لمكاسب مادية تحت ستار النضال الثقافي.

الأمازيغية في المؤسسات الثقافية والتعليمية

ورغم أن الحكومة المغربية أدرجت اللغة الأمازيغية ضمن المناهج التعليمية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن الثقافة الأمازيغية قد حصلت على المكانة التي تستحقها. لا تزال العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية تعاني من نقص في الموارد والاهتمام اللازم لتعليم اللغة والثقافة الأمازيغية بشكل فعال. في المقابل، يتم استخدام هذا الإطار التعليمي في بعض الأحيان كدليل على الالتزام الحكومي بحقوق الأمازيغ، فيما يبقى هذا الالتزام في كثير من الأحيان شكلياً.

هل من سبيل لدعم الثقافة الأمازيغية بعيداً عن الاستغلال؟

لحماية الأمازيغية من هذا النوع من الاستغلال، يتعين على الجهات المعنية تعزيز سياسات تحمي الثقافة الأمازيغية وتعطي الأولوية للمبادرات التي تهدف إلى تعزيز الفهم العميق لهذه الثقافة، بعيداً عن استغلالها التجاري أو السياسي. ومن المهم تعزيز المؤسسات التي تُعنى بتطوير الأمازيغية وتراثها، سواء في التعليم أو الإعلام، لضمان أن تكون هذه الثقافة جزءاً حقيقياً من الحياة العامة.

في الختام، يمكن القول إن حماية الأمازيغية من الاستغلال يحتاج إلى تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني، بالإضافة إلى الوعي الشعبي بأهمية الأمازيغية كجزء من الهوية الوطنية المغربية، وليست وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية أو تجارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى