دفاتر قضائية

عصابات الهمزات: كيف تحوّل ضحايا الأزمات إلى نزلاء السجون وتشرد العائلات!

دابا ماروك

تعد ظاهرة تجار الهمزات واحدة من أبرز القضايا التي تؤرق العديد من المناطق المغربية، حيث تتجلى مظاهرها في استغلال الأزمات المالية والمشاكل المعيشية التي تعاني منها الأسر. هؤلاء التجار، الذين يظهرون بمظهر المنقذين، يتلاعبون بالظروف الصعبة للمتأزمين عبر تقديم قروض بفوائد مرتفعة، تجعل من المستحيل على الضحايا الخروج من دوامة الديون. وبذلك، يتحول الفرد المتأزم من ضحية أزمة إلى ضحية جديدة لتجار الأزمات، الذين يستغلون حاجته شر استغلال، حيث تتسبب هذه العصابات في زج العديد من المواطنين بالسجون بتهم تتعلق بإصدار شيكات بدون مؤونة، مما يؤدي إلى تشريد الأسر وتفاقم المعاناة.

تستند هذه العصابات إلى قاعدة معقدة من التواطؤ مع بعض الموظفين في مختلف الإدارات. فهم يدركون تمامًا كيفية تذليل العقبات القانونية والإدارية، مما يسمح لهم بالتحرك بحرية، وكأنهم فوق القانون. في هذه الأثناء، يشتري هؤلاء التجار العقارات والموارد بكل بساطة، حتى تلك التي تتعلق بقضايا نزاع قائمة. يُظهرون براعة في إفراغ الأسر من منازلها، وتجريد التجار من محلاتهم، وكأنهم يكتبون فصلًا جديدًا من معاناة الأسر الفقيرة.

المثير في الأمر هو أن هذه العصابات غالبًا ما تكون معروفة لدى السلطات المحلية والمحاكم، ولكن يبدو أن هناك نوعًا من الصمت أو التواطؤ الذي يسمح لهم بالاستمرار في ممارساتهم غير الأخلاقية. تُعرف هذه المجموعة عادة بـ”الرش”، حيث تُخصص مبالغ مالية كرشوة لتمرير مصالحهم. تُوزع هذه “الرشوات” بالمناسبات وغير المناسبات، لتسوية الأمور بسرعة وبسهولة.

بفضل هذه الاستراتيجيات، يتواجد تجار الهمزات في جميع المجالات، حيث يتاجرون في كل شيء مغرٍ بالأرباح، بدءًا من العقارات إلى السلع الأساسية. ويصبح من الصعب على أصحاب الأعمال الشرعية والمستثمرين الفعليين المنافسة في سوق يسيطر عليه هؤلاء الأباطرة القدامى/ الجدد. بل إن الضحايا لا يقتصرون على الأفراد فقط، بل يمتد تأثير هؤلاء التجار إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي قد تُضطر للإغلاق بسبب عدم قدرتها على مجاراة الأوضاع.

تظهر هذه الظاهرة بوضوح غياب الحماية القانونية للأفراد، وتفشي الفساد في بعض المؤسسات، مما يزيد من تعقيد الوضع ويعمق معاناة المتضررين. إن التعامل مع هذه العصابات يتطلب تكثيف جهود المجتمع المدني، وتعزيز الرقابة على المؤسسات، وإصدار قوانين صارمة تُجرّم هذه الممارسات وتُعاقب عليها.

في النهاية، نحتاج في المغرب إلى اتخاذ خطوات جادة للتصدي لهذه الظاهرة، من خلال توعية المواطنين حول حقوقهم، وتحفيز الجهات المعنية على تطبيق القانون بشكل فعّال. فالمستقبل يعتمد على قدرة المجتمع على مواجهة تجار الهمزات وإعادة الثقة في العدالة والكرامة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى