بين العناد الجزائري والواقعية المغربية: متى تنتهي لعبة الوهم في قضية الصحراء؟
دابا ماروك
تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة حول الصحراء المغربية، الذي أكد فيه أن “لا تفاوض بشأن الصحراء المغربية وسيادة البلد”، يمثل موقفاً حازماً وثابتاً من المغرب بخصوص قضية تعتبرها الرباط أحد أهم ركائز وحدتها الترابية والسياسية. هذا التصريح يعكس رفض المغرب لأي نقاش أو تفاوض يتعلق بسيادته على الصحراء، ويبرز كيف أصبحت هذه القضية في قلب العلاقات الإقليمية والدولية للمغرب.
السياق التاريخي لقضية الصحراء المغربية
قضية الصحراء المغربية ليست نزاعًا جديدًا، بل هو نزاع إقليمي يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، بعد انسحاب الاستعمار الإسباني من المنطقة في عام 1975. ومع هذا الانسحاب، بدأت جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر في المطالبة باستقلال الصحراء، مما أدى إلى نزاع طويل الأمد بين الأطراف. في هذا السياق، كانت الجزائر، الجارة الشرقية للمغرب، تدعم البوليساريو وتعتبرها ممثلاً شرعيًا للشعب الصحراوي، بينما يصر المغرب على أن الصحراء جزء لا يتجزأ من أراضيه، مستندًا إلى روابط تاريخية وسياسية وجغرافية.
دور المغرب في إنهاء الاستعمار واسترجاع الأقاليم الجنوبية
منذ الاستقلال، سعى المغرب إلى استرجاع أراضيه التي كانت تحت الاستعمار، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. وبالفعل، تمكن المغرب من استعادة عدد من المناطق التي كانت تحت سيطرة القوى الاستعمارية الأوروبية، ومنها الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة إسبانية. واعتبر المغرب أن استرجاع هذه الأراضي هو جزء من نضاله من أجل وحدة أراضيه، تمامًا كما فعل مع طنجة والمناطق الأخرى التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي أو الإسباني.
في عام 1975، أطلق المغرب “المسيرة الخضراء”، وهي مسيرة سلمية شارك فيها 350 ألف مواطن مغربي لاستعادة الصحراء بشكل سلمي من الاستعمار الإسباني، وهو ما مهد الطريق لمفاوضات أدت إلى خروج إسبانيا من الصحراء وتسلم المغرب السيطرة عليها.
المواقف الدولية المتباينة وقرارات الأمم المتحدة
منذ بداية النزاع، تدخلت الأمم المتحدة بهدف إيجاد حل سلمي ومتفاوض عليه. ومع ذلك، فشلت محاولات الوساطة في الوصول إلى حل نهائي بسبب تعنت بعض الأطراف. وهكذا، قدم المغرب في عام 2007 مقترح الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع. ويقوم هذا المقترح على إعطاء سكان الصحراء حكمًا ذاتيًا واسع النطاق تحت سيادة المغرب، وهو ما لاقى دعمًا من عدد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا واسبانيا.
إلا أن الجزائر والبوليساريو رفضتا هذا المقترح، وأصرتا على الاستفتاء كحل وحيد. وهنا يظهر تصريح ناصر بوريطة كدليل على أن المغرب لم يعد يرى أن هناك أي مجال للتفاوض على سيادته على الصحراء، حيث يعتبر أن السيادة على هذه الأراضي غير قابلة للنقاش.
التحديات الإقليمية والدور الجزائري
التحدي الأكبر الذي يواجه المغرب في هذه القضية هو موقف الجزائر، التي تعتبر الصراع قضية إقليمية وليست مجرد نزاع بين المغرب والبوليساريو. الجزائر، ومنذ بداية النزاع، كانت تدعم جبهة البوليساريو سياسيًا وعسكريًا، وتوفر لها ملاذًا آمنًا على الأراضي التي جزأها المعمر الفرنسي. وهذا الدعم الجزائري أدى إلى تعقيد النزاع وزيادة توتر العلاقات بين المغرب والجزائر، حيث ترى الرباط أن الجزائر تلعب دورًا رئيسيًا في استمرار الأزمة.
وعلى الرغم من المحاولات المتكررة من المجتمع الدولي لإيجاد حل، تبقى الجزائر صاحبة الموقف النشاز، أحد الأطراف الرئيسية في النزاع، وهو ما يجعل الحل النهائي مرتبطًا بشكل كبير بالإرادة السياسية للجزائر ومواقفها تجاه المغرب.
استراتيجية المغرب: الحزم في السيادة والدعوة إلى التعاون الإقليمي
في هذا السياق، يبرز تصريح ناصر بوريطة كجزء من إستراتيجية المغرب التي تقوم على الحزم في قضية السيادة على الصحراء المغربية، وفي الوقت ذاته، السعي لتعزيز التعاون الإقليمي. المغرب يدرك أهمية الاستقرار الإقليمي في شمال إفريقيا، ويؤمن بأن الحل الحقيقي يكمن في التعاون الاقتصادي والأمني بين دول المنطقة. إلا أن هذا التعاون يظل معلقًا طالما أن الجزائر لا تزال تعارض الحل الذي يقترحه المغرب.
المغرب استطاع خلال السنوات الأخيرة تحقيق عدد من الانتصارات الدبلوماسية فيما يتعلق بقضية الصحراء. فقد نجح في إقناع عدد من الدول بفتح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية (العيون والداخلة)، وهو ما يُعتبر اعترافًا ضمنيًا بسيادة المغرب على هذه المناطق. كما تمكن المغرب من الحصول على دعم الولايات المتحدة الأمريكية، التي اعترفت رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء في نهاية عام 2020، وهو ما شكل ضربة كبيرة للبوليساريو وحلفائها.
الحاجة إلى الانخراط الإيجابي داخل المؤسسات الدولية
رغم التشبث المغربي بحقوقه التاريخية والسيادية، فإنه لا يمكن إنكار أهمية الانخراط الدائم للمغرب في المنظمات الدولية والإقليمية للدفاع عن موقفه. فالمغرب، رغم رفضه التفاوض على سيادته، لا يزال ملتزمًا بالحلول السلمية والمتفاوض عليه. وقد أعرب أكثر من مرة عن استعداده للتفاوض حول تفاصيل تطبيق الحكم الذاتي، ولكن دون المساس بسيادته.
وفي هذا السياق، يظهر تصريح ناصر بوريطة كرسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن المغرب لن يتراجع عن موقفه فيما يتعلق بوحدته الترابية، لكنه يظل منفتحًا على أي حلول تعزز من استقرار المنطقة وتسمح بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها.
الختام: بين ثبات الموقف المغربي وضرورة الحل النهائي
تصريح ناصر بوريطة بشأن الصحراء المغربية يعكس التزام المغرب الثابت بسيادته على الأقاليم الجنوبية. وهو في ذات الوقت دعوة إلى المجتمع الدولي، وخاصة الأطراف المعنية، للعمل على إيجاد حل سلمي ودائم. المغرب مستعد لمواصلة الدفاع عن وحدته الترابية على كافة الأصعدة، لكنه أيضًا يُدرك أن الحل النهائي يتطلب إرادة سياسية وتعاونًا إقليميًا. وبينما يتشبث المغرب بموقفه، تبقى الفرصة مفتوحة أمام الأطراف الأخرى للانخراط في مفاوضات حقيقية، تنتهي بطي صفحة هذا النزاع الطويل الذي أرهق المنطقة وشعوبها.