دابا ماروك
في المغرب، يبدو أن السياسة ليست مجرد فن إدارة الأمور بقدر ما هي عرض مستمر على خشبة مسرح كبير، حيث الأضواء مسلطة على “البحث عن الحلول” لأزمات متراكمة منذ عقود. إذا كانت حياة البرلمان محكومة بمبدأ “الجلسات الرسمية” و”الدورة التشريعية”، فإن الحياة الواقعية في أروقة البرلمان تتبع قاعدة غير معلنة: “كل شيء يُناقش إلا ما يهم المواطن البسيط”.
تُعقد الجلسات السنوية لمناقشة مشاكل المواطنين: الفقر، البطالة، الازدحام في المستشفيات، غلاء الأسعار… لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تم اتخاذ أي قرار حقيقي يمكن أن يخفف من معاناة المواطن؟ أو هل كل ما يحدث هو مجرد مسرحية سياسية يتم فيها تبادل المواقف، بينما لا يلمس المواطن أي تغيير في حياته اليومية؟
التصفيق أو لا تصفيق، هذا هو السؤال!
داخل البرلمان، يُحتفل بكل كلمة تقال كما لو كانت مفتاحًا لحل جميع مشاكل البلاد. في الواقع، لا يختلف الأمر كثيرًا عن مباراة كرة القدم: إذا كانت الحكومة تمارس هجومًا قويًا بمقترح قانوني “رائع”، فإن المعارضة ترد بهجوم مضاد، ولكن ليس بهدف الفوز وإنما بهدف تحصيل نقاط في النقاش. الهدف النهائي ليس الحلول الجادة بل تصفيق الجمهور داخل القاعة. وهكذا، يتحول النقاش إلى مباراة رياضية، حيث الجميع يراهن على “من سيربح اليوم؟”.
وفي تلك الأوقات التي يُفترض أن يتم فيها النقاش الجاد حول القضايا الكبرى، تنقلب الأمور إلى ما يشبه حفلة شاي سياسية: “هل سنقرّ زيادة في ميزانية الصحة؟ أم نقترح حلولًا جديدة للقضاء على البطالة؟” لا يهم، المهم هو طرح الأسئلة وكأن الحلول قد أصبحت مجرد مسألة وقت. لكن حين تأتي لحظة تنفيذ القرارات، نجد أن الأمور تميل إلى البطء، تمامًا كالنشاط التشريعي في البرلمان: “غدًا ربما، إذا لم يطرأ أي طارئ آخر”.
قانون هنا، و”الطبق الدسم” هناك
عندما يلتقي النواب لبحث قانون جديد، فإن التفاصيل التي تُناقش قد تبدو معقدة للغاية. هل سنضيف مادة جديدة في قانون التربية الوطنية لتسهيل الوصول إلى التعليم؟ لا، الأفضل هو أن نناقش مدى تأثيره على “الطبقات المتوسطة” فقط، أما الفقراء فيمكنهم الانتظار حتى تُنفذ “برامج الحماية الاجتماعية” التي تم الإعلان عنها قبل سنوات، ولكن دون تحديد موعد دقيق للانطلاق.
وفي الحقيقة، فإن النقاشات لا تخرج غالبًا عن الإطار الأكاديمي البحت. أحيانًا، تجد النواب يتحدثون وكأنهم في محاضرات جامعية حول “العدالة الاجتماعية” و”الحقوق الاقتصادية”، لكنهم يتجاهلون أن هذه الكلمات العميقة ليست سوى شعارات فارغة في وجوه المغاربة الذين يرزحون تحت وطأة غلاء المعيشة.
وعندما يأتي الحديث عن القرارات المتعلقة بتحسين الأوضاع المعيشية، يُصاب النواب بحالة من الغموض الجماعي. الأرقام تُرفع على الطاولة، لكن الموازنات لا تتجاوز سطورًا على ورق، بينما المواطنون في الشوارع يطالبون بتطبيق تلك الوعود التي “تدفئ” الجلسات ولا “تدفئ” حياتهم.
ما بين الوعود والممارسات: حيث التضارب يصبح قانونًا
الحديث عن الفقر أو غلاء الأسعار يُثير الزوابع بين النواب، لكن واقع الأمر أن كل واحد منهم لا يمتلك الإجابة الحقيقية على هذه القضايا. جميعهم يُحسنون “الخطابات”، لكن لا أحد يقدم حلاً فعليًا. ففي حين يصرح البعض بأن “المواطن هو أولويتنا”، يجد المواطن نفسه يتنقل بين جحيم الأسعار، والاكتظاظ في المستشفيات، وطوابير الانتظار في المدارس.
أما إذا تحدثنا عن المشاريع التي يُفترض أن تُحدث فرقًا، فإن النتيجة تكون صادمة: مشاريع تظل على الورق لسنوات، ووعود تُدفن تحت ركام الإدارات البيروقراطية، التي لا تعرف السرعة، ولا حتى “الاحترافية”. وعليه، يُمكن القول إن البرلمان المغربي أصبح مؤسسة تُسيرها “النية الحسنة”، بينما تُحكم نتائجها بـ “إغلاق الأعين” أمام الواقع المعيش.
نظرة من الخارج: التحولات التي لا نراها
ما بين “المسيرات” التي تُنظم، والقرارات التي تُتخذ في القاعات المغلقة، يظل المواطن المغربي هو العنصر الغائب في المعادلة. فبينما تُطرح القضايا الكبرى على طاولة النقاش: “حقوق الإنسان، البيئة، التنمية المستدامة”، يتساءل الناس: هل هناك من يعتبر أن المأساة اليومية للمغاربة تستحق جلسة خاصة؟ أم أن تلك الجلسات هي عبارة عن ورشة تجميع أطروحات، ثم ضياع في التنقيح؟ ربما حان الوقت لفتح حوار حقيقي مع المواطن قبل أن تنتهي الانتخابات القادمة.
الاعتقالات.. لحظة الفرح الشعبي!
وفي سياق آخر، إذا سمعت الجماهير المغربية خبرًا عن اعتقال برلماني أو رئيس جماعة، فإن الأجواء تتحول فجأة إلى نوع من الاحتفال. هنا، تُسجل لحظة “التطهير السياسي” في الذاكرة الجمعية. المواطن المغربي، الذي يكاد يئس من “الوعود” و”الحلول” الجادة، يشعر فجأة بنوع من الارتياح. فالاعتقالات، في نظره، هي لحظات من العدالة التي تعيد الأمل في نفوس المواطنين. تعبيرات الفرح الجماعي في الشوارع تتناسب تمامًا مع هذه “اللحظات التاريخية” من القبض على الفاسدين.
فبينما يُناقش البرلمان مسألة العجز في الميزانية، يجد المواطن نفسه يحتفل بمشاهدة صور البرلمانيين الموقوفين. كأن هذا هو “الانتصار” الكبير، بينما تظل القضايا الكبرى بعيدة عن طاولة النقاش. نعم، قد تكون تلك الحملات التطهيرية جزءًا من استراتيجية تهدئة الشعب، لكن الحقيقة أن المواطن يبقى في انتظار أن تتحقق العدالة الحقيقية، وليس فقط عبر “استعراض” حالات الفساد.
الخاتمة: الضحك على الذات هو الحل… والواقع يتحدث!
في النهاية، يمكن القول إن البرلمان المغربي اليوم هو مزيج غريب من الجدية والتسلية. إنه مكان تُناقش فيه القضايا الكبرى على مستوى “الطبق الدسم” بينما المواطن، الذي هو في الحقيقة الموضوع الرئيسي، لا يزال يسير على قدميه في انتظار “الوجبة الحقيقية”. تبقى الحقيقة البسيطة أنه رغم الفوضى في التحدث عن الحلول، تظل الحاجة الماسة إلى أفعال جادة تُمثل اختبارًا حقيقيًا للمؤسسات السياسية في المغرب.