مدونة الأسرة: قانون جديد أم عقدة جديدة في نسيج المجتمع؟
م-ص
في ساحة البرلمان المغربي، حيث تُصاغ القوانين وتُدار النقاشات، تبرز مدونة الأسرة 2.0 كإحدى أبرز الملفات التي أثارت وتثير ضجة في الأوساط الشعبية والإعلامية. وبينما تستعد الأغلبية للتصويت لصالح هذه التعديلات، تتنامى التساؤلات حول ما إذا كانت هذه المدونة ستسهم فعلاً في تعزيز استقرار الأسرة المغربية، أم أنها مجرد “إصلاحات” تعمق أزمة الزواج والطلاق في المغرب.
عزوف عن الزواج… تحت مظلة القوانين
لنكن واقعيين، الزواج في المغرب لم يعد “الحلم الجميل” الذي كان يراود الشباب. التكاليف الباهظة، المسؤوليات الثقيلة، والضغوط المجتمعية تجعل التفكير في الزواج أشبه برحلة تسلق جبل شاهق بلا حبال أمان. واليوم، تأتي مدونة الأسرة لتضيف عقبة جديدة على الطريق، إذ أن بعض موادها المقترحة تزيد من تعقيد الإجراءات القانونية والالتزامات المالية للطرفين.
السؤال الأبرز هنا: هل نحن بصدد تشجيع الشباب على الزواج أم دفعهم نحو العزوف التام؟
في مجتمع يشهد تآكلًا تدريجيًا للروابط الأسرية التقليدية، تبدو المدونة الجديدة وكأنها تستجيب لضغوط خارجية أكثر من كونها تعكس احتياجات الداخل. كيف يمكن لقانون أن يتجاهل واقع البطالة، غلاء المعيشة، والأزمة السكنية، ثم يتوقع أن يصبح الزواج خيارًا سهلاً؟
ارتفاع معدلات الطلاق… علامة فشل أم تطور؟
بعيدًا عن الجانب الوردي الذي تحاول بعض الخطابات الرسمية رسمه، الأرقام لا تكذب. معدلات الطلاق في المغرب بلغت مستويات قياسية في السنوات الأخيرة. البعض يراها دليلًا على تحرر النساء واستقلالهن، بينما يعتبرها آخرون انهيارًا لمنظومة الأسرة.
لكن الحقيقة التي يغفلها الكثيرون هي أن المدونة القديمة ساهمت في هذا الارتفاع، وربما تأتي النسخة الجديدة لتسجل أرقامًا أكثر “إثارة للإعجاب”. كيف؟
- التعقيدات القانونية تجعل من الطلاق أحيانًا أسرع وأسهل من حل المشاكل داخل العلاقة الزوجية.
- التعديلات المرتقبة تسلط الضوء على حقوق النساء، لكنها في الوقت ذاته تضع عبئًا أكبر على الرجال، مما يؤدي إلى نزاعات لا تنتهي.
إصلاح أم تأزيم؟
مدونة الأسرة تُسوَّق كإصلاح تقدمي، ولكنها تحمل في طياتها تناقضات عميقة. فبدلًا من معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية لأزمة الأسرة المغربية، تبدو وكأنها تضيف طبقة جديدة من البيروقراطية والإجراءات التي تعمق الفجوة بين أفراد المجتمع.
هل نحتاج فعلاً إلى مزيد من القوانين أم إلى نقاش اجتماعي حقيقي يضع على الطاولة هموم الشباب والشابات؟ من أزمة السكن إلى غياب الدعم المالي، ومن ضغوط العمل إلى غياب الحوافز للزواج.
في الختام: إلى أين نسير؟
مدونة الأسرة بشكلها الجديد قد تكون بداية نقاش أكبر حول مستقبل العلاقات الاجتماعية في المغرب، لكنها بالتأكيد ليست العصا السحرية التي ستعيد للأسرة بريقها. ما نحتاجه ليس قوانين معقدة، بل إرادة حقيقية لإصلاح البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية.
إذا استمرت التشريعات في الابتعاد عن الواقع، فإننا لا نسير نحو “تقدم اجتماعي”، بل نحو مزيد من التشتت والتفكك. وعندما يصبح الزواج رفاهية والطلاق أمرًا شائعًا، يجب أن نعيد التفكير بعمق، ليس فقط في القوانين، بل في المنظومة بأكملها.
فهل سنستمر في كتابة قوانين تزيد العقد أم سنعود إلى صوت الشعب وواقعه؟