مجتمع

المهدي المنتظر في حقوق الإنسان: حكايات السماسرة والأنذال بوجوه ملائكية

دابا ماروك

في زمن أصبح فيه التنكر موضة رائجة، لم يعد غريباً أن نجد الكثيرين ممن يرتدون عباءة النبوة الحقوقية، ويجوبون الساحات والمنتديات وهم يتقمصون دور “المهدي المنتظر” الذي جاء لينقذ البشرية من القهر والظلم. لكن، وكما يقول المثل الشعبي: “ليس كل من يركب الحصان فارساً”، فكذلك ليس كل من يتحدث عن حقوق الإنسان إنساناً!

حقوق الإنسان بين التجارة والمسرحية

في البداية، دعونا نرسم المشهد. هؤلاء الذين يدّعون الدفاع عن حقوق الغنسان – نعم، حقوق الغنسان، لأنه يبدو أن الغنائم هي كل ما يهمهم – يظهرون على شاشات التلفاز وفي المؤتمرات الدولية يتحدثون عن القيم النبيلة ويذرفون دموع التماسيح على المظلومين، لكن خلف الكواليس تجدهم يتفاوضون على أسعار النضال، وكأنها بورصة مفتوحة للمزايدات.

عندما يصبح الدفاع عن حقوق الإنسان مهنة مربحة

في عالمهم، الدفاع عن الحقوق ليس رسالة بل استثمار. المشاريع الحقوقية تحولت إلى صفقات، حيث يُقيّم المظلوم بعدد المبالغ المالية التي يمكن أن يجلبها لقضيتهم “النزيهة”. أليس من المضحك أن ترى ناشطًا حقوقيًا يسافر عبر الدرجة الأولى ويتناول وجبات فاخرة أثناء “نضاله” لإنقاذ من لا يجد قوت يومه؟ يبدو أن شعارهم الحقيقي هو: “ساعدوا أنفسنا أولاً، وسنرى لاحقاً إن كنا سنساعد الآخرين”.

سماسرة القضايا الإنسانية: المزايدات فوق المعاناة

تجاربنا تؤكد أن هؤلاء لا يدافعون عن حقوق الإنسان، بل عن حقوق السمسرة. ترى أحدهم يدخل مكتب مسؤول دولي وهو يحمل ملفاً ضخماً لقضية ما، لكنه يخرج مبتسماً عريضاً دون أن يُناقش شيئاً. لماذا؟ لأن الهدف الحقيقي كان “تأمين تمويل جديد للمشروع” وليس تحقيق العدالة.

هؤلاء لا يهمهم الحل بقدر ما يهمهم استمرار المشكلة، لأنها مصدر رزقهم. تخيل لو انتهت كل المشاكل الإنسانية غدًا، ماذا سيحدث لهم؟ بالطبع، سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل الحقوقي، وربما ينضمون إلى قائمة “المظلومين” التي كانوا يستغلونها.

الأنذال بأقنعة ملائكية

الأنذال يتقنون فن ارتداء الأقنعة. ستجدهم في الصفوف الأمامية للمظاهرات، حاملين لافتات مكتوبة بخط اليد (غالباً لأنهم بخلاء على شراء لافتات مطبوعة)، يهتفون بشعارات براقة ويشعلون الحماس في الجماهير. لكن عند نهاية اليوم، يعودون إلى منازلهم، بينما يظل الضحايا الحقيقيون يواجهون مصيرهم دون أي دعم حقيقي.

كيف تكتشف المهدي المنتظر المزيف؟

إذا أردت أن تميز بين المدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان و”المهدي المنتظر” المزيف، اسأل نفسك:

  1. هل يُظهر اهتماماً حقيقياً بالضحايا، أم أنه يركز على الظهور في الصور؟
  2. هل ينفق على قضاياه من جيبه الخاص، أم أنه يجمع التبرعات لنفسه قبل أي قضية؟
  3. هل يحل المشاكل، أم أنه يخلق المزيد منها لإطالة أمد “نضاله”؟

استثناء ضعيف في بحر الأنذال

ورغم كل هذا السواد الذي يغلف مشهد “المهدي المنتظر” المزيف في مجال حقوق الإنسان، فإن هناك استثناءات ضعيفة تظهر بين الحين والآخر. أشخاص بسطاء، غير بارزين في الإعلام، يعملون بصمت ودون بهرجة، يحاولون أن يقدموا المساعدة للضحايا دون انتظار مقابل. هؤلاء الذين يمثلون الاستثناءات غالباً ما يتعرضون للتهميش من قبل “كبار الحقوقيين”، لأنهم يهددون بكشف اللعبة.

إنهم كالشعلة الصغيرة في عاصفة هوجاء، قد لا يُلاحظها الكثيرون، لكنها تظل موجودة، تُضيء ولو بشكل خافت طريقاً مليئاً بالأشواك. هؤلاء هم الأمل الباقي، الذين يثبتون أن النضال من أجل حقوق الإنسان يمكن أن يكون حقيقياً، رغم أن أصواتهم تضيع بين ضجيج السماسرة الذين يتقنون فن السمسرة في كل المجالات…

خاتمة: “حقوق الغنسان” في أيدٍ أمينة؟

في النهاية، نحن في زمن أصبحت فيه حقوق الإنسان أقرب إلى سوق للنخاسة الحقوقية، حيث يبيع الأنذال أنفسهم على أنهم فرسان العدالة. هؤلاء ليسوا المهدي المنتظر، بل مجرد ممثلين في مسرحية بائسة، يتقنون فن الخداع والمكر ولكنهم يفتقرون إلى الحد الأدنى من الإنسانية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى