“الكرطيات”: ملف اجتماعي يتحوّل إلى عبء سياسي
دابا ماروك
قضية بطائق الإنعاش المعروفة محليًا بـ”الكرطيات” ليست مجرد مسألة إعانات مالية متوقفة في مدينة العيون، بل هي أزمة عميقة تعكس ازدواجية التعامل مع فئة واسعة من المواطنين الذين يجدون أنفسهم في دائرة “الانتظار الأبدي”.
في هذا المشهد، يظهر جليًا أن بطائق الإنعاش أصبحت ليست فقط مصدر دخل محدود، بل أيضًا وسيلة ضغط سياسي واجتماعي، حيث تتحول إلى أداة لإسكات أصوات المطالبين بحقوقهم في العيش الكريم.
مدينة العيون: نبض الاحتجاجات
العيون، التي لطالما كانت مركزًا للأحداث الوطنية الكبرى، شهدت مؤخرًا احتجاجات واسعة أمام مقر مجلسها الجماعي. فالفئات المستفيدة من بطائق “الكرطيات”، والتي تشمل الأسر المعوزة والعاملين العرضيين، تفاجأت بقطع موردها المالي الشهري دون سابق إنذار.
هذا التوقف، وإن بدا في ظاهره مجرد خلل إداري، يعكس مشاكل أعمق تتعلق بنهج تدبير هذا الملف الذي يفتقر إلى الشفافية والعدالة.
“الكرطيات” ومتطوعو المسيرة الخضراء
ما يثير الاستغراب، هو أن هذه الإعانات المالية التي جاءت في الأساس لدعم فئات محددة، لم تشمل حتى الآن متطوعي المسيرة الخضراء أو أحفادهم الذين ساهموا في حدث وطني كبير. هؤلاء، الذين يعتبرون رموزًا في ذاكرة الشعب المغربي، يستحقون على الأقل نصيبًا من هذا الدعم تكريمًا لجهودهم وتضحياتهم.
إن استمرار حصر “الكرطيات” في جهة معينة دون تعميمها على باقي جهات المغرب يخلق إحساسًا بالتفرقة والتمييز، وهو أمر يُضعف اللحمة الوطنية ويزيد من الاستياء بين المواطنين.
التدبير المحلي: غياب الشفافية
المجلس الجماعي للعيون، الذي يترأسه حمدي ولد الرشيد، يلتزم الصمت إزاء هذه الاحتجاجات، ما يزيد الوضع تعقيدًا. إذا كانت “الكرطيات” حقًا وسيلة لمساعدة الفئات الهشة، فإن هذا الصمت يجعلها تبدو وكأنها أداة سياسية يتم التحكم فيها حسب الحاجة.
المواطنون المحتجون اليوم لا يطالبون فقط بإعادة مداخلهم، بل يطالبون بحقوقهم في العيش بكرامة دون تهديدات أو ضغوط. فكيف يمكن اعتبار “الكرطيات” حلاً بينما تُقطع دون سابق إنذار، مخلفة ورائها أسرًا تواجه شبح الجوع والحرمان؟
منصة للحل أم فخ للمزيد من الأزمات؟
بطائق الإنعاش كان من الممكن أن تتحول إلى وسيلة لخلق فرص تنموية حقيقية تساهم في تحسين الوضع الاجتماعي، بدل أن تصبح مجرد إعانة شهرية تُستخدم كوسيلة للتهدئة السياسية.
لكن، كيف يمكن إصلاح هذا الوضع؟
- تعميم الدعم: إذا كانت “الكرطيات” ضرورة، فلماذا لا تشمل كل جهات المغرب، خصوصًا متطوعي المسيرة الخضراء وأحفادهم الذين يعانون من التهميش؟
- إطار قانوني شفاف: يجب وضع معايير واضحة لتحديد الفئات المستفيدة وضمان استمرار الدعم دون تعقيدات أو انقطاع.
- برامج تنموية بديلة: بدلاً من الاعتماد على الإعانات المالية فقط، ينبغي الاستثمار في مشاريع تنموية توفر فرص عمل دائمة للمستفيدين.
رسالة للمسؤولين: الكرامة أولاً
إدارة ملف “الكرطيات” بهذا الشكل العشوائي أشبه بتوزيع جرعات من الأكسجين بشكل غير منتظم. المسؤولية هنا لا تقع فقط على المجالس المحلية، بل أيضًا على الحكومة المركزية التي يجب أن تضمن العدالة الاجتماعية للجميع دون استثناء.
إن التعامل مع هذا الملف بمنطق “التكتم” و”التمييز” لن يؤدي إلا إلى زيادة الاحتقان الاجتماعي وتوسيع فجوة الثقة بين المواطن والدولة. الحل يبدأ بالاعتراف بالمشكلة والعمل على معالجتها بجرأة وشفافية.
لذلك، إلى المسؤولين: متطوعو المسيرة الخضراء وأحفادهم هم جزء من هذا الوطن، ويستحقون على الأقل الاحترام والتقدير. أما “الكرطيات”، فإن كانت تُعتبر حقًا، فلتكن حقًا للجميع، وليس لفئة دون أخرى!