رياضة

الشغب في الملاعب وخارجها: بين الرجاء والوداد، التحدي الأكبر لتوعية الجيل الصاعد

دابا ماروك

في عالم كرة القدم، تتجلى الإثارة والتشويق في المباريات الكبرى، وخاصة تلك التي تجمع بين الغريمين التقليديين، الرجاء البيضاوي والوداد البيضاوي. لكن مع هذه الإثارة، تبرز ظاهرة شغب الملاعب التي تُسيء إلى روح المنافسة وتؤثر سلبًا على المجتمع. إذ لا تقتصر المتعة في التشجيع وحضور المباريات على متابعة الأداء الفني للفرق، بل تتعدى ذلك إلى التفاعلات الاجتماعية التي تحدث بين الجماهير، والتي أحيانًا ما تتحول إلى أحداث مؤلمة تترك آثارها على الجميع.

تتزايد حدة التوترات خلال مباريات الديربي، حيث يكون الشغف والانتماء للفريقين في ذروتهما. ومع الأسف، تتحول هذه المشاعر الجياشة إلى شغب وعنف داخل المدرجات وخارجها، مما يُعرّض سلامة المشجعين للخطر ويهدد الأمن العام. تتوالى الأحداث الدامية، حيث نجد أنفسنا أمام مشاهد مؤلمة من العنف، الاعتقالات، وأحيانًا الإصابات، مما يدفع السلطات إلى التدخل بشكل متزايد لتأمين المباريات.

لقد أصبحت قصص العائلات التي تعاني من فقدان أحبائها أو الاعتقال بسبب شغب الملاعب تُروى بشكل متكرر، لتُسلط الضوء على عواقب هذه الظاهرة المؤلمة. بينما يُعتبر الفخر والاعتزاز بالنادي جزءًا من الهوية الثقافية للكثير من المشجعين، إلا أن التخريب والعنف لا يمكن أن يُعدّا جزءًا من هذه الهوية. بل إن هذه الأعمال تسيء إلى كرة القدم، وإلى القيم التي ينبغي أن تحكمها.

في خضم هذه الأجواء المشحونة، يبرز دور جمعيات محبي الفرق كعامل مهم في مواجهة هذه الظاهرة. فما الذي يمنع هذه الجمعيات من الاجتماع معًا، رغم المنافسة التاريخية، لتطوير استراتيجيات توعية وتثقيف لجماهيرهم؟ هل يمكن لهذه الجمعيات أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الروح الرياضية وتقليص معدلات الشغب؟

إن التوعية والوقاية هما السبيل للتغيير. من الضروري أن نبدأ في بناء ثقافة جديدة تركز على التنافس النزيه والاحترام المتبادل، لنضمن أن تظل كرة القدم مصدر فرح وسعادة للجميع.

الشغب: قضية مجتمعية قبل أن تكون رياضية ليس خافيًا أن الشغب في الملاعب يتجاوز حدود المستطيل الأخضر، لينتقل إلى الشوارع والأحياء المجاورة للملعب، مما يهدد سلامة المواطنين والممتلكات العامة والخاصة. وفي حالة ديربي الدار البيضاء، حيث يلتقي الرجاء بغريمه التقليدي الوداد، يكون الشحن العاطفي في أعلى مستوياته، وهو ما يزيد من احتمالية وقوع الشغب.
ومع كل ديربي، نجد أنفسنا أمام نفس السيناريو المحزن؛ إصابات بين الجماهير، اعتقالات متزايدة، وأحيانًا خسائر في الأرواح والممتلكات.

الآثار السلبية على العائلات والمجتمع الاعتقالات التي تُعقب أعمال الشغب لا تؤثر فقط على المعتقلين، بل تلقي بظلالها الثقيلة على عائلاتهم، التي تجد نفسها فجأة مضطرة للتعامل مع آثار هذه الأعمال الطائشة. العديد من العائلات تعاني من فقدان أحد أفرادها في السجون، وتعيش في دوامة من الحزن والتوتر، دون أن يكون لها أي دخل في ما حدث.
إلى جانب الأضرار الاجتماعية، تكبدت الجماعات المحلية والدولة خسائر كبيرة جراء الأضرار المادية التي يُلحقها المخربون بالبنية التحتية، من تكسير للمقاعد، وحرق للأشجار، وتدمير للممتلكات العامة.

دور جمعيات المحبين: هل يمكنها لعب دور أكبر؟ تلعب جمعيات محبي الفرق دورًا أساسيًا في تشكيل القاعدة الجماهيرية للأندية الرياضية، إلا أن هذا الدور غالبًا ما يُقتصر على تنظيم التشجيع في المدرجات. في المقابل، نجد أن هذه الجمعيات تملك القدرة على التأثير بشكل أكبر في نشر الوعي الرياضي، لاسيما بين الجماهير الشابة.
العديد من التساؤلات تطرح حول غياب التنسيق بين جمعيات محبي الرجاء والوداد رغم العداوة التاريخية بين الفريقين. هل يمكن لهذه الجمعيات أن تتجاوز الخصومات الرياضية لتلتقي في جهود توعية الجيل الصاعد؟
التقاء الجمعيات من كلا الطرفين ليس بالأمر المستحيل، بل يمكنه أن يكون خطوة إيجابية نحو كبح ظاهرة الشغب. تنظيم فعاليات مشتركة، ندوات أو حملات توعوية تجمع بين أنصار الفريقين، يمكن أن يساهم في كسر الجليد وتعزيز روح التنافس الرياضي النزيه.

دروس في التوعية: كيف نحد من الشغب؟ الحد من الشغب في الملاعب لا يمكن أن يتم فقط من خلال التشديد الأمني والاعتقالات، بل يتطلب تكاثف الجهود التوعوية والتربوية. إليكم بعض الأفكار الأساسية التي يجب تعزيزها:

  1. التربية الرياضية في المدارس: يجب تعليم الشباب منذ الصغر أهمية القيم الرياضية، مثل الروح الرياضية، الاحترام المتبادل، وتقبل الخسارة. ويمكن للأنشطة الرياضية الجماعية في المدارس أن تكون فرصة لتعزيز هذه القيم.
  2. التوعية الإعلامية: الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل آراء الشباب. لذلك، يجب على وسائل الإعلام أن تركز على الرسائل الإيجابية وتعزيز مفهوم الرياضة كوسيلة لتقريب الناس، وليس لتفرقتهم.
  3. تحفيز المبادرات المجتمعية: يمكن تنظيم حملات توعية بين الأحياء، تقودها الشخصيات الرياضية البارزة، تهدف إلى نشر ثقافة السلام ونبذ العنف.
  4. دور جمعيات المحبين: يمكن لهذه الجمعيات أن تتحد رغم التنافس التاريخي بين الفرق. ندوات وحوارات تجمع أنصار الرجاء والوداد في إطار توعوي يمكن أن تكون مثالًا على أن كرة القدم تجمع ولا تفرق.
  5. العقوبات البديلة: بدلاً من الاكتفاء بالعقوبات السجنية، يمكن التفكير في برامج إعادة التأهيل التي تشمل الشباب في ورشات توعية حول أهمية الروح الرياضية وكيفية التحكم في النفس.
  6. الشراكة بين الأندية والجماهير: يجب أن يكون للأندية نفسها دور في توعية جماهيرها، عبر تنظيم ندوات وورشات تدريبية حول السلوك المثالي في المدرجات

ختام: الطريق نحو مستقبل أفضل في ملاعبنا

ظاهرة الشغب في الملاعب تسيء إلى صورة الرياضة وإلى ما يجب أن تكون عليه مناخات المنافسة الشريفة. إذا استمرت هذه الظاهرة دون علاج شامل، فإن المزيد من الشباب والعائلات سيدفعون الثمن غاليًا. إن الحل لا يكمن فقط في العقوبات الزجرية، بل في بناء وعي جديد داخل الأجيال الصاعدة، قوامه احترام الآخر، وتقدير الرياضة كوسيلة للتنافس النزيه لا كأداة للانتقام والعنف

إن الظواهر السلبية المرتبطة بالشغب في الملاعب ليست مجرد مشاكل عابرة، بل هي تعبير عن أعمق القضايا الاجتماعية والثقافية التي تواجه المجتمع المغربي. تعكس هذه الأحداث التوترات الاجتماعية، والاقتصادية، وحتى السياسية، والتي تتطلب منا جميعًا وقفة تأمل. من الضروري أن نعترف بأن كرة القدم، كأكثر الرياضات شعبية، لديها القدرة على توحيد المجتمعات، لكن في المقابل، تحتاج إلى التوجيه الصحيح لضمان أن تكون هذه التجربة إيجابية.

تجدر الإشارة إلى أهمية تعزيز القيم الرياضية الحقيقية، والتي تشمل الاحترام، والانضباط، والتعاون. يجب أن تكون جهود التوعية ليست مجرد حملات مؤقتة، بل ينبغي أن تتحول إلى مبادرات مستدامة تعمل على تحسين وعي الجماهير، وتعليمهم كيفية التعبير عن مشاعرهم بطريقة بناءة.

إنه من الملح أن تجتمع جمعيات المحبين للفريقين، الرجاء والوداد، وتعمل معًا لإيجاد أرضية مشتركة. بدلاً من تعزيز الفجوة القائمة بين الجماهير، يمكنهم توحيد الصفوف لإنشاء برامج توعية تشمل ورش عمل، ومحاضرات، وحملات إعلامية، تهدف إلى تعزيز الروح الرياضية. هذه الجهود المشتركة قد تساعد في إعادة تشكيل الصورة النمطية للجماهير الرياضية، وتحويلهم من مجرد مشجعين إلى سفراء للسلام والتسامح.

ومع تزايد قضايا الشغب، يجب أن نلتزم بتعزيز التعاون بين الفرق، السلطات المحلية، والمنظمات المجتمعية. إن تضافر هذه الجهود قد يسهم في بناء ثقافة جديدة قائمة على السلام، حيث يُحتفى بالنجاح الرياضي بدون الحاجة إلى العنف.

في النهاية، تعكس ملاعب كرة القدم قيمًا أسمى من مجرد اللعب، فهي تعكس تطلعات وآمال مجتمعاتنا. إذا تمكنّا من توجيه هذه الطاقات الجياشة نحو البناء والتفاعل الإيجابي، سنضمن أن تبقى ملاعبنا مكانًا للفرح والاحتفال، بعيدًا عن مظاهر العنف والشغب. إن المستقبل يتطلب منا جميعًا الالتزام والعمل معًا، لخلق بيئة أكثر سلامًا وتسامحًا، ولضمان أن تظل كرة القدم هي “لعبة الشعب” بامتياز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى