مجتمع

أوجاع الميراث: النهب والظلم في خفايا العائلة

دابا ماروك

يُعد برنامج “المسامح كريم” الذي ظلت تبثه قناة أبوظبي أحد البرامج التلفزيونية المميزة، حيث يسعى إلى تسليط الضوء على قضايا الصلح والمسامحة بين الأفراد. ولكن واحدة من الحلقات التي أثارت جدلاً واسعًا كانت تلك التي تم فيها استضافة مغربي نهب إرث أنجال أخيه، مما عكس واقعًا مؤلمًا يعاني منه الكثيرون في المجتمعات العربية.

قصة الشاب والعم “الشفار”:

في إحدى الحلقات، تم استدعاء شاب إلى البرنامج حيث كان ينتظر بفارغ الصبر لقاء مع المنشط المعروف جورج قرداحي، دون أن يعلم أنه سيكون أمام عمّه الذي نهب حقه في الميراث. عند اكتشافه هوية الضيف، انتفض الشاب وصاح “هذا شفار”، مشيراً إلى عمّه بلقب يرمز إلى اللصوصية.

هذه اللحظة لم تكن مجرد رد فعل عاطفي، بل كانت تعبيرًا عن الإحباط والغضب الذي يشعر به العديد من الأفراد الذين عانوا ومازالوا من الظلم والنهب في قضايا الإرث. فإنّ الحكاية التي اختصرها هذا الشاب تعكس واقعًا مؤلمًا، حيث يتعرض الكثير من الأبناء والأحفاد للغش والسرقة من قبل أفراد عائلاتهم.

الأبعاد الاجتماعية والنفسية للظلم في الميراث:

تتجاوز قضايا النهب في الإرث الأبعاد المالية إلى الأبعاد الاجتماعية والنفسية. فحين يُحرم الأفراد من حقوقهم، تتولد مشاعر من الإحباط والمرارة، مما يؤدي إلى تفكيك الروابط الأسرية. وفي بعض الأحيان، يعاني هؤلاء الأفراد من آثار نفسية طويلة الأمد، مثل فقدان الثقة والقلق.

التحديات التي تواجه الضحايا:

لا يقتصر الأمر على الشعور بالظلم، بل يواجه الضحايا تحديات قانونية واجتماعية متعددة. في كثير من الأحيان، يجد الأفراد أنفسهم في مواجهة نظام قانوني قد لا يكون ملائمًا لحمايتهم، مما يجعلهم يشعرون بالعجز أمام الظلم الذي تعرضوا له.

الفاشلون وتمسكهم بالميراث:

وفي أحايين أخرى، نجد فاشلين يتمسكون بأدنى خيط حتى وإن لم يكن من نصيبهم. هؤلاء يستيقظون من غفوتهم ويبدؤون بالمطالبة بحقوق تعد من عصارة العرق الناشف لغيرهم، وكأنهم كانوا جزءًا من هذا البناء، بينما هم في الواقع لم يقدموا شيئًا.

البادية والنظام القيمي:

يمثل “الشفار” في هذه القصة نموذجًا للأشخاص الذين يختارون نهب حقوق الآخرين دون أن يتعرضوا للعقاب. ومن غرائب الصدف أن هؤلاء الشفارة ينجبون شفارة، حيث يتمسكون بالاستيلاء على إرث غيرهم. في السياقات البدوية، قد تتعزز هذه الظواهر بسبب الأعراف والتقاليد المفترى عليها التي تحكم العلاقات الأسرية. حيث يتم تجاهل قضايا الظلم في الإرث تحت مظلة الصمت والحيطة الاجتماعية.

دعوة إلى الوعي والمحاسبة:

تدعو هذه الحادثة إلى التفكير في كيفية تعزيز الوعي حول قضايا الميراث والعدالة الاجتماعية. من المهم تشجيع الحوار المفتوح داخل الأسر والمجتمعات حول حقوق الأفراد، وتحفيز الجميع على مواجهة الظلم والسعي لتحقيق العدالة.

الخاتمة:

تروي قصة الشاب وعمّه في برنامج “المسامح كريم” واقعًا مؤلمًا يعيشه الكثير من الأشخاص في المجتمع المغربي. فبدلاً من أن تكون العائلة ملاذًا للأمان والدعم، يمكن أن تتحول إلى مصدر للألم والظلم. ويتطلب الأمر منا جميعًا أن نكون واعين لهذا الواقع وأن نعمل معًا لبناء مجتمع أكثر عدلاً وتسامحًا.

إن قضايا النهب في الميراث ليست مجرد أحداث فردية، بل هي ظاهرة اجتماعية واسعة تنتشر في مختلف الأوساط.

في المحاكم المغربية تشهد الآلاف من هذه القضايا، حيث تتعقد الأمور وتطول فترة التقاضي، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الأسرية. هناك قضايا لا تزال عالقة منذ سنوات، تتنقل بين مختلف درجات التقاضي، مما يُثقل كاهل النظام القانوني ويعكس عجزًا في معالجة هذه الظواهر الاجتماعية.

في كثير من الحالات، يجد الأفراد أنفسهم في صراع طويل مع النظام القضائي، يسعون للحصول على حقوقهم في إرثٍ من المفترض أن يكون حقهم الطبيعي. ومع كل تأجيل للجلسات، تتفاقم مشاعر الإحباط والقلق، مما يؤثر سلبًا على الروابط الأسرية. لذلك، من الضروري أن يتم تعزيز الوعي حول هذه القضايا في المجتمع، والتشجيع على الحوار المفتوح حول حقوق الأفراد، بما يساعد على تجنب النزاعات المستقبلية.

إضافة إلى ذلك، يجب أن يترافق ذلك مع تحسين الإجراءات القانونية والسرعة في البت في القضايا، لضمان حقوق المظلومين وحمايتهم من عمليات النهب والظلم. إنه واجب المجتمع والدولة على حد سواء لتحسين الظروف القانونية والاجتماعية، وتحقيق العدالة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى