مجتمع

تارتوفييري” في المجتمع المغربي: قناع الفضيلة أم نفاق اجتماعي؟

م-ص

في المجتمعات الحديثة، بما في ذلك المجتمع المغربي، يُلاحظ انتشار سلوكات اجتماعية تتسم بالنفاق والتناقض بين القيم المعلنة والتصرفات الفعلية. يُطلق على هذه الظاهرة تعبير “تارتوفيري” (Tartuferie)، وهو مستوحى من شخصية “تارتوف” في مسرحية الكاتب الفرنسي موليير، التي تجسد نموذج الشخص المنافق الذي يرتدي قناع الفضيلة ليخفي وراءه مصالحه الشخصية وأفعاله المتناقضة مع ما يُظهره للناس.

النفاق الاجتماعي في المجتمع المغربي:

يظهر النفاق الاجتماعي في المغرب من خلال مجموعة من التصرفات التي تتناقض مع المبادئ المعلنة. قد تجد أشخاصًا يروجون للقيم الأخلاقية والدينية، بينما يتصرفون بشكل يخالف تلك القيم في السر. سواء في الحياة اليومية أو في الميادين السياسية والاقتصادية، تُرى هذه السلوكات في مختلف فئات المجتمع.

أسباب النفاق الاجتماعي:

تعود أسباب النفاق الاجتماعي إلى عدة عوامل. من بينها الضغط المجتمعي الذي يدفع الأفراد إلى التظاهر بالتصرف وفق معايير معينة لتحقيق القبول الاجتماعي. الخوف من الانتقاد أو النبذ من المحيط يجعل الكثيرين يرتدون أقنعة سلوكات مثالية لا تعكس حقيقتهم. كما تلعب التقاليد والبيئة الاجتماعية دورًا في تغذية هذه الظاهرة، حيث يصبح التوافق مع المعايير الاجتماعية أهم من الصدق الشخصي.

تجليات “تارتوفييري” في الحياة اليومية:

تظهر “تارتوفييري” في المجتمع المغربي في مجالات مختلفة، من بينها:

  • التدين الشكلي: حيث يُظهر البعض التزامًا دينيًا مبالغًا فيه أمام الناس، في حين يتصرفون بطرق تتنافى مع تعاليم الدين في الخفاء.
  • الفساد الإداري والسياسي: على الرغم من الشعارات المرفوعة عن النزاهة والشفافية، إلا أن العديد من المسؤولين يغرقون في ممارسات فاسدة، متسترين وراء قناع الصلاح.
  • الرياء في العلاقات الاجتماعية: حيث يتعامل البعض بوجهين مع الناس، يظهرون الود في العلن، ويضمرون الحقد أو المصلحة الشخصية في الخفاء.

الآثار السلبية للنفاق الاجتماعي:

يساهم انتشار النفاق الاجتماعي في تآكل الثقة بين الأفراد داخل المجتمع، ويؤدي إلى إضعاف العلاقات الاجتماعية. كما يولد الشعور بالإحباط، خاصة لدى الشباب الذين يبحثون عن نموذج صادق يُحتذى به. عندما يرون أن الأشخاص الذين يُفترض أن يكونوا رموزًا للفضيلة ينخرطون في تصرفات منافقة، يفقدون الثقة في المؤسسات والقيم الاجتماعية.

الخاتمة:

“تارتوفييري” في المجتمع المغربي هو مرآة لحالة من التناقض بين المظاهر والحقائق. وبينما تسعى فئات من المجتمع للحفاظ على قيم النفاق الاجتماعي من أجل الاندماج أو المصلحة الشخصية، تظل الحاجة ملحة إلى الصدق والشفافية في التعاملات الفردية والجماعية، كوسيلة لبناء مجتمع أكثر استقامة وتوازنًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى