اقتصادمجتمع

المغرب والنيجر: ريادة طاقية في مهب المنافسة الإقليمية

دابا ماروك

معلوم ان دولة الجوار الجزائرية قد وقعت أخيرا اتفاقية شراكة مع النيجر حول “التكوين وتدريب القدرات البشرية”، مما يُعيد إلى الأذهان أوجه الشبه بين هذا الاتفاق وبين تجربة مغربية سابقة. المغرب كان السباق في ميدان التعاون الإفريقي في مجال الطاقة، حيث سبق لمجموعة سامير أن أبرمت اتفاقية تعاون مع النيجر، تتيح تكوين أطر وتقنيين نيجريين في قطاع البترول. هذه الشراكة جاءت في سياق إستراتيجية مغربية تهدف إلى نقل الخبرات وتعزيز العلاقات بين الدول الإفريقية.

الاتفاق المغربي مع النيجر لم يكن محض اتفاقية عابرة، بل كان جزءًا من تاريخ طويل يمتد من عهد الحماية الفرنسية عندما تم بناء أولى المصافي في سيدي قاسم، وتطور مع استقلال المغرب وبناء مصفاة المحمدية في عهد الملك الراحل محمد الخامس. كانت هذه البنية التحتية الطاقية، بفضل خبرات الكوادر المغربية، قادرة على توجيه وتطوير قطاع الطاقة في العديد من البلدان الإفريقية، مما جعل المغرب مركزًا إقليميًا لنقل المعرفة في هذا المجال الحساس.

ورغم التصفية القضائية التي تعرضت لها شركة سامير، إلا أن المغرب لم يفقد بعد مكانته في هذا المجال، بالرغم من أن الإيقاف المؤقت لأنشطة الشركة أضر بالدور الذي يمكن أن تلعبه. العديد من الاتفاقيات التي كانت تربط المغرب بالدول الإفريقية باتت مهددة أو متوقفة. وما يثير القلق هو أن بعض الدول، مثل الجزائر، قد بدأت تستغل هذا الفراغ لتعزز مواقعها في هذه العلاقات الحيوية.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يدرك أخنوش ومن يدور في فلكه أهمية إعادة الحياة إلى مصفاة سامير؟ في ظل التحديات الطاقية العالمية والحروب المشتعلة في مناطق متعددة من العالم، باتت الحاجة لضمان الأمن الطاقي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الاستثمار في البنية التحتية الطاقية المغربية ليس مجرد مسألة اقتصادية أو اجتماعية، بل هو مسألة سيادة وطنية وإستراتيجية طويلة الأمد.

النهوض من جديد بهذا القطاع قد يعزز موقع المغرب كفاعل رئيسي في المجال الطاقي الإفريقي، ويدعم شراكاتنا مع دول القارة، بما يخدم المصالح المشتركة. إن ترك هذا المجال دون تدخل في أقرب وقت ممكن يعرضنا لخسائر دبلوماسية واقتصادية فادحة، خاصة أن العالم يشهد تحولات كبيرة، حيث تسعى الدول إلى تأمين مواردها الطاقية بشكل متزايد، وهو ما يجعل إعادة تأهيل مصفاة سامير فرصة لا يمكن تجاهلها.

التوسع في هذا المجال يُعد أيضًا وسيلة لتعزيز العلاقات المغربية الإفريقية، وجعل المغرب في موقع استراتيجي يمكنه من توجيه دفة التعاون في مجال الطاقة، والمساهمة في تعزيز الاستقرار والتنمية في القارة الإفريقية. ينبغي علينا أن نعمل على خلق بيئة تتيح استئناف هذا الدور الحيوي، ليس فقط كاستجابة للتحديات الاقتصادية، بل كاستثمار مستقبلي يعزز موقعنا الإقليمي والدولي.

الطاقة ليست فقط محركًا اقتصاديًا، بل هي عنصر أساسي في الدفاع عن السيادة الوطنية وتثبيت العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى