فن وثقافة

هل سينقذ الشعر العالم؟!

حول كتاب : “الشعر سينقذ العالم

لجان بييرسيميون

الشعر والأسئلة المحرجة:

هل سينقذ الشعر العالم؟!

حسب مؤلف هذا الكتاب: الشاعر الفرنسي: جان بيير سيميون، الجواب لا يحتمل شكا ولا ترددا.نعم، الشعر سينقذ العالم! لذلك، اختار هذا الجوابَ عنوان لكتابه ، وجعله تأكيديا لا لبس فيه ولا غموض: la poésie sauvera le monde.

 قد يبدو هذا الوثوق من المؤلف، عند البعض، ساذجا وطفوليا ، وقد يبدو، عند بعض آخر، مثيرا ومستفزا، وقد يراه صنف ثالث، وإن كانوا قلة، فاتحا لأمل، قد ينبعث فيه الشعر، كالفنييق من جديد!كلنا يعلم أن الشعر يعيش حاليا وضعا لا يحسد عليه، وربما لأول مرة في تاريخه، مُذ بزغ كأحد أرقى أشكال التعبير التي اصطنعها الإنسان ليعبّر عن نفسه ومشاعره وخلجاته وتجاربه وأفكاره، واصطنعته الشعوب ليسطر ملاحمها، كما الشأن عند الإغريق، أَوْلتجعل منه ديوانا يجمع أخبارها وأمجادها  كما عند العرب، منذ ذلك البزوغ، لم يشهد الشعر وضعا شاذا كهذا.  ويكفي المرء أن يقوم بجولة في المكتبات والمعارض، ويتابعَ منصات التواصل الإعلامي، ليقف على هذه الحقيقة.وما تزال الأصوات تتعالى، من المثقفين ومن غيرهم، معلنة موت الشعر. لقد رأى الكثيرون منهم،  أنه زُلزل عن عرشه، وطُرد  من الرفوف طردا لايليق  بالملوك، وأصبح العثور على ديوان شعر بين رواية وسيرة ذاتية وكتاب طبخ أو كتاب تنمية بشرية، أمرًا شاقا للغاية، بلودونهخرطَ القتاد!

لكن، هل هذا صحيح؟، هل حقا، زلزل الشعر عن عرشه، ولَم يعدله أي تأثير، في عالم السيولة السردية والنقدية،  وهيمنة منصات التواصل الاجتماعي، من سنابوفيسبوك وتويتر وتيكتوك؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما السبب؟ هل ثمةَ إرادةٌ خبيثة مبيتة لهذا التهميش؟أَم أن تأثيره ، على العكس، ما زال قائما، وإن من طرف خفي، ويحتاج فقط إلى إرادة سياسية صادقة وواعية، تعيد إليه السيادة التي كان يتبوؤها، وتمكنه، إن لم يكن من إنقاذ العالم، فعلى الأقل، من المساهمة في إنقاذه ، مادام المختصون والخبراء متفقينأن هذا العالم  يجتاز أزمة أخلاقية وروحية عميقة، ولابد له من إنقاذ!؟

ثمإذا سلّمنا بأن له يدا في هذا الإنقاذ المرتجى، فكيف سيكون ذلك؟ وبأية طريقة!؟

مقدمة عن الكتاب والمؤلف:

الكتاب الذي بين أيدينا، يحاول أن يقدم إجابة ، أَوْ بالأحرى إجابات،  عن هذه الأسئلة المتشابكة! وهو كتاب صاغه صاحبة بطريقة مختلفة، تشبه الخواطر والانطباعات والتأملات. طريقة تتمرد على التصنيفات المعتادة في صياغة الكتب الأكاديمية، التي تتناول بالدرس موضوعة الشعر.فصفحاته التي تقارب مائة وأربعة عشرة صفحة تخلو من كل تقديم وتبويب وعنونة، وكأن المؤلف يريد أن يبث فيها بيانا حماسيا مندفعا ينافح بنبلعن جمالية الشعر، أَوْ صرخة حرة وقوية ممزوجةً حزنا مرارة ولوعةوهي أشكال في الكتابة تشبه الشعر في انطلاقه وتمرده وتحليقه، وترفض التضييق والتحديد.

صدر الكتاب عن دار لو باسور بباريس سنة 2015 . وللأسف،لم أعثر له على ترجمة إلى اللغة العربية، لذلك ستكون متابعتي له من خلال النص الأصلي باللغة الفرنسية.

صاحب الكتاب، كما ذكرنا، هو جان بيير سيميون، شاعر فرنسيولد عام 1950، ألّف العشرات من دواوين الشعر، بالإضافة الى اهتمامه بكتابة الرواية والمسرح. حاز على العديد من الجوائز، وترأس على مدى ستة عشرة سنةمهرجان ربيع الشعراء، الذي تشرف عليه وزارة الثقافة الفرنسية. وهذا يعني أن الرجل التقى بمئات الشعراء، و تجول في العشرات من مدن العالم، وساجل وناقش في مجال الشعر ، وكتب فيه وعنه، مما يجعل لكتابه قيمة الشهادة الحية، الصادرة عن شاعر خبر الشعر والشعراء.

 في هذا المقال، سأركز على أهم النقاط التي أثارها المؤلف في كتابه، وأهم الحجج التي ساقها ليدافع عن أطروحته في أن الشعر سينقذ العالم. اعتمد نفَسين في هذا الدفاع: نفَس الإدانة، ونفَس الإشادة. الإدانة لواقع عنوانه العريض: تجميل القبيح، والإشادة، في المقابل، بعالم مناقض، يكون فيه الشعر سيّدا يعيد الاعتبار للحياة وجمالها.. وعلى طول الصفحات، نجد الأفكار تراوح بين هذين العالمين نقضا وبناء، في خط جدلي ومتناوب.. وهذه أهم الأفكار المعروضة، واحدة بعد الأخرى، بقدر ما يتحمل مقال صغير، بدون توسع.

في تعريف الشعر

في البداية تنهض الإشادة بالشعر كرافعة للإنقاذ في عالم يحتاج إلى إنقاذ.. ويطالب الكاتب القراء والمهتمين بأن لا يأخذوا بيانه هذا بمحمل الهزل والاستسهال ، لأنه لا يمزح حين يراهن على الشعر، وإلا فإن الامر خطير ، بل أخطر مما نتصور.ولأنه يعرف حجم هذه الدعوى، فإن سيميون يقرر منذ الصفحات الأولى أن يضبط أولا مفهوم  الشعر الذي يقصد، حتى يرتفع اللبس. إنه لا يقصد تلك القصيدة التي تتوالى فيها القوافي والأوزان والمجازات، كما يتم تعريفها في معجم لاروس وغيره، وإنما الشعر، قبل ذلك وبعده ، موقف أخلاقي  Position éthique من الآخر ،وجها كان هذا الآخر أَوْ مشهداعلى حد تعبير سيميون، وحالة من الوعي الأقصوي الذي يتطلب اليقظة الدائمة ضد الغفلة. إن سيميون لا يتحدث عن أبيات موزونة، وإن كانت تشكل عنصرا من عناصر الشعر، وإنما عن حالة أشمل ، إسمها حالة الشعرl’état de la poésie ! وهو المفهوم الذي نحته الشاعر السويسري جورج  هالداسل يتحدث عن عيش الحياة بعمق وامتلاء ويقظة، مما يقتضي الالتزام بإضفاء معنى عليها. ولعل الشاعر الآخر جورج بيروس، خير من عبر عن هذه الحالة، بعد هولدرين، حين قال: ” إن أجمل قصيدة في العالم لن تكون أبدًا إِلَّا انعكاسا شاحبا لما هو الشعر: طريقة في الكينونة، في الإقامة على الأرض، والإقامة داخل أنفسناص23.وهذه الحالة ، هي التي يرى سيميون أن واقع الشعر اليوم قد أقصي عنها إقصاءً مُبيّتا.

وضع الشعر:

إن حالة الشعر هذه، هي التي لا يخفي سيميون، ومنذ اللحظة الأولى، اشمئزازه من سياسة مدبرة لتهميشها عن الفضاء العام بفرنسا، ومنذ عشرات السنين،بدءا من الإعلام إلى المؤسسات الثقافية. يقول: ” إنكار الشعر حقيقة ثابتةص 18، ويضرب على ذلك أمثلة كثيرة، نسوق منها مثالين للتمثيل: المثال الأول،  ما سمعه المؤلف نفسه مصدوما من مدير إحدى المعاهد الثقافية الكبرى بباريس وهو يقول: ” كلمات شعر وشاعر تنتمي إلى الزمن القديم، وقد حان الوقت لطي صفحتهما، والمثال الثاني يتعلق بمحرر ثقافي لصحيفة وطنية كبرى بفرنسا أصابته الصدمة، وأعلن سخطه على لجنة تحكيم جائزة نوبل للآداب ، لأنها قررت منح الجائزة لشاعر! وأيّ شاعر؟ شاعر مغمور، لا يعرفه أحد، هو الشاعر السويدي توماس ترانسترومر. وقد علق سيميون على هذا بالقول : ” لكنه، مجهول ممن؟ كيف لمْ يفطن هذا المحرر الثقافي إلى أن كلماته هاته خطأ مهني فادح؟! إن أشعار توماس ترانسترومر متوفرة بالفرنسية، ومترجمة إلى العديد من اللغات، فكيف يكون مجهولا!” ص17

إذن، فهناك مشكل أَوْ لنقل حربا، معلنة أحيانا، وخفية  أحيانا أخرى على الشعر، وهي حرب مفهومة،  إذا إدركنا ما يمثله الشعر من قيم ذوقية ومعرفية  وشعورية تناقض ما تنتجه ثقافة التعليب والإملاء Diktat والاستهلاك والمتعة السريعة من قيم مضادة..

دعونا الآن نرصد أهم مظاهر هذه الثقافة ، كما جاء في الكتاب؟ وكيف يكون الشعر نقيضا لها ومحذرا منها، وداعيا إلى تغييرها؟

 مظاهر ثقافة الاستهلاكوموقف الشعر منها: 

  • القولبةStéréotype:هذا الهوس من صناع القراء والخبراء والإعلام يين الذين يتغيّون تحديد الأشياء، كل الأشياء، وحبسها في إطار مسميات ومفاهيم، مرتبة ومبوبة وساكنة، مما أدى الى خنق الواقع وحجب غناه وتنوعه وحركيته. يضرب سيميون مثالا صغيرا على هذا التحجيم ببطاقة الهوية، التي تختزل الشخص بكل تنويعه الوجداني والعقلي والجسمي إلى ورقة صغيرة عليها صورته وإسمه، ممّا خلق الفواصل والأحكام المسبقة والنفور من الآخر بما هو وجه ولون وجنسية فقط ، منسوخة على ورقة بحجم الكفّ .إن الشعر يقترح بديلا آخر، بديلا يرسم لكل شيء عالمه المميز والخاص، كل حركة، كل نسمة، كل وجه، كل قبلة، كل غضب، حتى كل موت، يحمل جيناته الخاصة! ..هناك ملايين القبل بقدر ملايين الأشخاص الذين قبّلوا، وملايين قصص الحب بقدر ملايين الأشخاص الذين عاشوا تجربة الحب، ولكل تجربة طعمها الفريد..كما أن هناك ملايين الأشجار تختلف في مقاربتها والعلاقة معها عن الشجرة التي تعرّفها القواميس..إن السلطة تعشق  الضبط و التحكم، أَما الشاعر فهو الطفل السائل الذي لا يتعب، ولأنه كذلك فهو يبحث عن ماوراء التخوم والحدود، ويسافر الى الأعماق، الى المجهول والغريب، إلى الآخر، يبحث معه عن المختلف والمشترك الإنسانيين، يقول الشاعر الروسي غينادي آيغي : ” إن الشعر هو النشاط اللغوي للأخوة الإنسانيةص 30. ولذلك، تجاوز محمود درويش شرطيته الوطنية، معتبرا أنهويته الإنسانية تتجاوز الصراع” . وضدا على دولة السلطة الأحادية والمستبدة، يحرر الشعر الوعي ، و يخلق دولة الأحرار ، لتعدد المقاربات والمدارك والتأويلات، لذلك يقول أوكتافيو باث: القصيدة تتطلب إلغاء الشاعر الذي كتبها وولادة القارىء الذي يقرؤها
  • الثبات واليقينL’immobilité et la certitude :ولعل هذا الهوس بالضبط ، من خلال أحادية اللغة، نابع من فلسفة تؤمن بالثبات والسكون واليقين، الذي يتطلب الخضوع والتسليم، أما الشعر فهو يتاخم الشك والسؤال والحرية، ويتأبى على الإملاءDiktat، ويمقت الأجوبة الجاهزة، واليقينية البارة. إنه الابن الشرعي للدهشة، والعاشق للحيرة . إنه يقدم، بدَلَ اليقينية الباردة، تجربة شعورية وروحية صادقة وحارة ، مفعمة بالقلق والسؤال والحيرة ..وعبر تفجير اللغة، وشحنها بمعاني جديدة وطرية، يستطيع الشعر أن يخلق لغة غير مألوفة في الخطاب اليومي، ويكسر لغة الخشب التي ضاقت بها القنوات،  وامتلأت بها القوانين، وأصبح الخبراء المختصون من كل فن، هم روادها اليوم
  • الترفيه المعمم والمفروضle divertissementgénéralisé : و ربما كانت تلك أهم مظاهر هذه الثقافة الشائعة اليوم. وتعتمد هذه الثقافة، بالإضافة إلى أحادية اللغة، كما ذكرنا، الصورة الميكانيكية والجاهزة! إنها الصورة التي تخفض الواقع وتفقّره، الصورة التي تعيد إنتاج المعلوم والسائد، الصورة المخفَّفَة من كل انتقال رمزي أَوْ مجازي. هكذا أصبح الإنسان مُخَفَّض إلى شكله ولباسه وقَصّة شعره وموديل سيارته، وتحولت الحياة إلى عرض مسرحي تكتنفه صور ومشاهد مجتزأة، متسارعة، براقة وسطحية، تخاطب غرائز الإنسان وتدغدغ مشاعره. وهي بذلك، تصرف الانسان عن النظر إلى ما يقلق، الى ما لايجب أن يُرى وأن يُفكّر فيه! إن هذا الواقع لا تساهم فيه المسلسلات وكثير من الأفلام فحسب، أو ما يُسمّى   Storyteling   ، بل حتى معظم ما ينشر من روايات. وربما كانت هيمنة السردle narratiftotalitaire  إحدى تجليات هذا الواقع.. فمعظم الروايات، ما عدا تلك التي يكتنفها نفَس شعري، تعيد إنتاج واقع خشبي ، على حاله،  كما هو،  وتركّب صورة نمطية لوقائع من الحياة، موجودة قبلا. “إن هذا السردياتيقول سيميونليست نتاج الخيال العظيم، وإنما هي نتاج المُتَخَيّلأي الواقع..وهنا تكمن عظمة الشعر الذي يتوسّل أشكالا من التعبير لفهم الوجود ومعانقته، تفتقر إليها أشكال التعبير الأخرى، أَوْ لا تحوزها تامّة، من أهمها اللغة الشفافة والأسطورة والرمز والمجاز، ليقدم بذلكأي الشعربديلا عن عمى الصور الذي نراه في كل مكان. وهو، بهذا التوسل أيضا، ينفذ الى أبعد مما تعيد إنتاجه الصورة الميكانيكية  l’image mécanique ، أي التعبير عن المعقد والمحيّر والمتناقض والمتعدد والمتحرك من الوجود.كما يوقظ المَدَارك إلى ما هو مختلف عن هذا الديكتاتورية الثقافية المهيمنة. يفعل ذلك باعتباره نشاطا للوعى في أشفّ لحظاته، وأقصى درجات تجلّيه.
  • الآني واللحظي:بهذه الصفة الأخيرة للثقافة المهيمنة ترتبط صفة أخرى، هي من لوازمها : اللهاث وراء اللحظي والآني والسريع..فكل شيء يركض مع الصورة  وخلفها..ليس للقارئ أَوْ المشاهد لحظة لاسترجاع الأنفاس، وطرح الأسئلة الصحيحة والثقيلة التي تشكل عصب الوجود لكل إنسان جدير بإنسانيته. القصيدة تفعل ذلك، تطرح الأسئلة الأولية التي يطمسها ذلك الركض المجنون خلف السراب..إن هذا الآني شاحب لا امتلاء فيه، أما الشعر فيمنحك دقيقة صمت واحدة يتنفس فيها بامتلاء وعمق كل شيء فيك ومن حولها الشّجرْ والنهر والأفلاكإذ كل رفيف طير، مهما ضؤل ، له اعتباره ووقعه على النفس والوعي المتيقظين، ويجب أن يلتقط ويُؤبّد! إن الحياة الإنسانية لا تتوقف عند الموت ، بل هي تستمر بعده، وتأخذ قيمتها من هذا التأبيد .يقول سيميون: ” كل قصيدة تتغيّى الموتَ كوطنص 55 .إنه نوع من التسامي الداخلي، والايمان بعالم آخر، ليس بالضرورة كعالم القيامة الذي تبشر بهالأديان، وإنما كما قال بول إيلوار: ” عالم آخر داخل هذا العالمص56. ولذلك،فالشعر له كبير اتصال بفكرة الموت.بل لا يمكن العيش بعمق إِلَّا في الموت، أي باستحضار الموت وأسئلته وحتميته. 
  • الكثرة La profusion : أَوْ الثرثرة الهائلة التي تزحم الزمن والمكان لكي لا تقول في الأخير شيئا.. العالم في رعب من الفراغ والبياض والصمت ، والحال أن الوعي بالذات والعالم لا يمكن أن يشتغل إِلَّا في الصمت، فالتأمل في حاجة الى الصمت، والشعر عينهيولد من الصمت” . يختار كلماته بعناية فائقة، بحيث تكون تلك الكلمات ذات حمولة رمزية مكثفة وشحنة عاطفية قوية تختصر المسافات والازمان: ” أعتقد أن نص هايكو واحد لباشو أو شذرة  واحدة لروني شار كفيلان بهدم  الثرثرة التي تضج بها كل الخطاباتص 40
  • هيمنة الافتراضي  le virtuel :يتأسس المشهد الثقافي المهيمن على أرضية من الورق والتجريد..تجريد المادي والمحسوس، ووأد كل علاقة فيزيقية وحيّة مع العالم..وبدل أن يحتمي الانسان بالواقعي ليضبط الصور صار يهرب إلى الصور ليضبط الواقع. كل شيء تعقَّم : اللمس والذوق والشم! لذلك، فالشعر يعيد نسج العلاقة مع المحسوس، مع الأرض، مع التجربة. إنه ذاكرة الانسان الحسية ، أَوْ كما قال أراغونالحالة المادية للفكرص 82

خاتمة:

 ليس القصد من الكتاب، كما يقول صاحبه، تحقير التقنية وما وفرته من تقدم مشكور للبشرية، وإنما القصد مقاومة أن تصير هذه التقنية كليانية واستبدادية تسخر الواقع لاستبعاده. والشعر، مؤهلبما له من مميزات أسلفناها ،  لأن يكون في طليعة هذه المقاومة. لذا حان الوقت، كما يأمل المؤلف، لتدمجه السياسة الحكيمة في النسيج العام ، وتبرمجه  ضمن أهدافها في التغيير والتنوير وشحذ الوعي.

إن كتاب جان بيير سيميون صرخة لإنقاذ العالم بالشعر، ولو على مهل، ولو بصبر، ولو بأدوات بسيطة! فالقصيدة، بحسب سيميون، قادرة ، ولو لحظيا، أن تخلّف أثرها، وتزعزع التمثلات الجامدة، وتحرك مياه الوعي الراكدة. إن قراءة الشعر في الفضاء العام، يمنح الفرص لكل واحد من أجل إيقاظ وعيه اللغوي والجمالي والإنساني، سيما وانه لا يتطلب ترسانة ثقيلة ليتحقق وينجز مهمته تلك ، إنه يحتاج فقط ، كما يقول، إلى أدوات بسيطة : “صوت وأذن وصمت“.

# ملاحظة: كل الأقوال بين مزدوجتين، مأخوذة من الكتاب مع رقم الصفحة

سعيد طلحا

شاعر مقيم بفرنسا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى