الوطنية الحقيقية: بين صمود الكرامة ورفض الخضوع لأجندات ‘التشكامت
دابا ماروك
الوطنية ليست مجرد مظهر خارجي أو شعارات تُرفع في المناسبات؛ هي أعمق بكثير من الزي التقليدي المتمثل في الجلباب والطربوش الأحمر، وأسمى من مجرد الانحناء أمام المسؤولين أو القبول بالوضع القائم دون اعتراض. إن الوطنية الحقيقية تتجسد في الروح الداخلية للمواطن، تلك الروح التي تحركها رغبة صادقة في رؤية الوطن يتقدم وينمو، حتى وإن كان ذلك يتطلب الوقوف بوجه الظلم أو الانتقاد البنّاء.
الوطنية والمظاهر الخارجية:
كثيرًا ما نرى الوطنية تُختزل في رموز ظاهرية، كارتداء الجلباب أو الطربوش الأحمر في المناسبات الوطنية. هذه الرموز، رغم أهميتها الثقافية والتراثية، إلا أنها لا تعبر بشكل كامل عن مفهوم الوطنية. فالوطنية ليست فقط في المظهر، بل هي في السلوك والقيم التي يحملها المواطن. الإنسان الذي يختار الطريق السهل، طريق “نعام أس” حيث يقبل بكل ما يقال له دون تفكير أو تساؤل، يفتقد جوهر الوطنية الحقيقي.
الوطنية والوظائف والمسؤولية:
هناك من يعتقد أن الوطنية هي الانحناء والولاء المطلق للمسؤولين، بغض النظر عن مدى كفاءتهم أو نزاهتهم. في الواقع، الوطنية الحقيقية لا تتجسد في الخضوع الأعمى، بل في المطالبة بالعدالة والمساواة والنزاهة. عندما ينحني المواطنون أمام مسؤولين لا يستحقون سوى النقد والتقييم الصريح، فإنهم يساهمون في ترسيخ ثقافة “كارتونية” تعيق التقدم وتكرس الفساد.
الوطنية و”التشكامت”:
في مجتمعاتنا، يظهر نوع من الأفراد الذين يُعرفون بـ”الشكامة”، وهي كلمة مشتقة من “التشكامت”، وتشير إلى أولئك الذين يقومون بدور المخبرين بالمجان ضد باقي المواطنين. هؤلاء الأفراد يختارون أن يخونوا الثقة المجتمعية ويشيعوا الخوف والريبة بين الناس بدلاً من دعم الاستقرار الاجتماعي والسعي نحو المصلحة العامة. لكن الوطنية الحقيقية لا تنتمي لهؤلاء، بل تُبنى على الثقة المتبادلة بين المواطنين وعلى الشجاعة في مواجهة الحقيقة. عندما يستخدم شخص ما قدرته على الإبلاغ عن الآخرين بهدف الإيذاء أو تحقيق مصلحة شخصية ضيقة، فإنه في الحقيقة يقوض أسس الوطنية ويخدم مصالح مضادة للوطن
الوطنية والنقد البناء:
المواطن الحقيقي هو الذي لا يكتفي بالصمت، بل ينتقد ما يحدث داخل البلد بحب واهتمام. النقد البناء هو أساس التغيير والإصلاح، لأنه ينبع من رغبة صادقة في تحسين الأوضاع. إذا كان المواطن صامتًا عن الظلم أو الفساد أو الإهمال، فهو في الحقيقة يساهم في استمراره. لكن عندما ينتقد المواطن بحب ووعي، فإنه يعبر عن وطنيته الحقيقية، تلك الوطنية التي تسعى لتحقيق الأفضل للوطن ورجال الغد.
ختام:
إن الوطنية تتطلب من المواطن أن يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن يدرك أن النقد البناء هو حجر الزاوية في بناء مجتمع قوي ومتماسك. وفي الوقت الذي يعمد فيه البعض إلى “التشكامت” لتصفية حسابات شخصية أو لتحقيق مكاسب ضيقة، يجب أن نؤكد أن الوطنية لا تنتمي لهذه الممارسات. الوطنية هي التفاني في خدمة الوطن بنزاهة وشرف، وهي الوقوف مع الحق، ومع المواطنين الآخرين في مواجهة الظلم والفساد.