بين عسكرة كليات الطب وإغلاق باب الحوار: هل ستضحي الحكومة بمستقبل أبناء الوطن؟
الحسين اليماني
في الواقع، ما يحدث في كليات الطب والصيدلة بالمغرب يعكس أزمة أعمق في علاقة الدولة بمواطنيها، وخاصة الشباب منهم. بدلاً من التركيز على تعزيز الحقوق والحريات، نرى أن الرد الرسمي يجنح نحو العسكرة والتضييق على الأصوات الناقدة. هذا التوجه يثير تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بتكريس الحق في التعبير عن الرأي والاحتجاج، وهو حق أساسي يجب أن يكون مكفولًا لكل مواطن في دولة تدّعي الديمقراطية.
العسكرة ليست الحل لمشاكل البلاد، وبالتأكيد ليست الحل في مجال التعليم. التعليم يجب أن يكون فضاءً حرًا للتفكير، للإبداع، وللنقاش. لكن عندما يتم إدخال العسكرة إلى هذا الفضاء، فإننا نضيق الخناق على العقول ونخنق الطموحات. ما يحتاجه المغرب اليوم هو قيادة تشجع الشباب على المشاركة في الشأن العام، وعلى ممارسة السياسة بشكل سلمي وبناء، وليس قيادة ترهب وتخيف.
وعندما نجد وزارة التعليم عاجزة عن إقناع الطلبة بالإصلاحات المقترحة في مجال الدراسات الطبية والصيدلية، فذلك يشير إلى خلل كبير في التواصل والثقة بين الطرفين. الحل هنا ليس فرض هذه الإصلاحات بالقوة أو التهديد بالعقوبات، بل بالعودة إلى طاولة الحوار والاستماع الحقيقي لمطالب الطلبة. إذا كانت هذه الإصلاحات ليست في مصلحة التعليم أو الطلبة، فما المانع من التراجع عنها؟ التراجع في هذه الحالة لا يُعتبر ضعفًا، بل هو مؤشر على الحكمة والقدرة على تصحيح المسار.
قرار تخفيض سنوات الدراسة الطبية يبدو وكأنه خطوة أخرى نحو تدمير جودة التعليم في المغرب. الطب ليس مجالًا يمكن أن يتم اختزاله أو تبسيطه في وقت أقل؛ إنه علم يحتاج إلى الزمن والتعمق لبناء أطباء قادرين على التعامل مع تعقيدات الجسم البشري وصحة المواطنين. فإذا كانت هذه الإصلاحات تُضعف من قدرات أطبائنا المستقبلية، فمن الأفضل التراجع عنها.
أما العقوبات التي تم توجيهها ضد الطلبة، فهي تُظهر عدم تفهم الحكومة لمطالب الشباب ورغباتهم. العقوبات الترهيبية ليست طريقة لبناء جيل قادر على تحمل المسؤولية والمشاركة في بناء الوطن. إذا كنا نريد حقًا وطنًا قويًا ومجتمعًا متماسكًا، فعلينا أن نبني هذه الأجيال بالتحفيز والتشجيع، وليس بالخوف والعقاب.
في ظل هذا المشهد المتأزم، كان من الممكن أن تكون العودة إلى الحوار هي الحل الأمثل، خصوصًا إذا تضمنت الحفاظ على السنة السابعة من الدراسة الطبية، التي تشكل ركيزة أساسية لضمان جودة التكوين الطبي في المغرب. لكن وعلى ما يبدو، فإن الحكومة قررت من البداية إغلاق باب الحوار، متشبثة بموقفها دون أي اعتبار للمسؤولية الكبيرة التي تتحملها تجاه مستقبل أبناء هذا الوطن.
إصرار الحكومة على المضي قدمًا في قراراتها، دون فتح حوار جاد مع الطلبة وأولياء الأمور، يعكس تجاهلًا صارخًا للمخاوف المشروعة التي عبرت عنها هذه الفئة. هذا الموقف المتعنت لا يؤدي إلا إلى زيادة التوتر وتصعيد الموقف، مما يضر بالعملية التعليمية برمتها ويهدد مستقبل الآلاف من الطلبة الذين كانوا يأملون في الحصول على تعليم طبي راقٍ ومستدام.
التمسك بالإصلاحات دون مراعاة تداعياتها على جودة التعليم الطبي هو بمثابة تضحية بمستقبل جيل كامل من الأطباء، بل وأكثر من ذلك، هو تضحية بصحة المجتمع بأسره. الحكومة في هذا السياق تظهر وكأنها غير آبهة بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها، وكأن مصالح الطلبة ومستقبلهم لا يشكلان أولوية.
بدلًا من التمسك الأعمى بقرارات غير مدروسة، كان يجب على الحكومة أن تضع في اعتبارها أن التراجع عن هذه القرارات قد يكون الحل الأمثل لضمان استقرار النظام التعليمي وصيانة حقوق الطلبة. فتح باب الحوار من جديد، والاعتراف بالخطأ، ليس ضعفًا، بل هو علامة على القيادة الحكيمة التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. لكن، ومع الأسف، يبدو أن الحكومة قد اختارت الطريق الأصعب، طريق التجاهل والعناد، مما يجعلنا نتساءل: من يدفع الثمن في النهاية؟ أليس هم أبناء المجتمع الذين يضعون مستقبلهم في أيدي حكومتهم؟