زينب العدوي والأموال التي لهفتها بعض الأحزاب السياسية: الرقابة في مواجهة الفساد
دابا ماروك
زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، تُعد واحدة من أبرز الشخصيات في المشهد السياسي والإداري المغربي، حيث تولت مسؤولية جسيمة تتمثل في مراقبة المال العام وتعزيز الشفافية والمساءلة. ومع ذلك، وجدت العدوي نفسها في قلب انتقادات حادة، لا سيما من الأحزاب السياسية التي تُتهم بعدم تبرير أوجه صرف الدعم المالي الذي تلقته. وتُبرز قضية “صفقة الدراسات والـ 200 مليون سنتيم” نموذجًا صارخًا لملفات تثير التساؤلات حول إدارة المال العام.
زينب العدوي: بين الإصلاح والمواجهة
منذ توليها رئاسة المجلس الأعلى للحسابات، حرصت زينب العدوي على وضع قواعد جديدة للمحاسبة الصارمة. ولكن هذا المسار، على الرغم من أهميته، واجه مقاومة شديدة من أطراف عديدة، أبرزها الأحزاب السياسية التي اعتادت العمل في مناخ يتسم بضعف الرقابة والتسامح مع الأخطاء. توتر العلاقة بين المجلس وهذه الجهات يعكس تحديات جوهرية تواجه الإصلاح، حيث باتت العدوي رمزًا للجهود الرامية لتغيير واقع قديم ومترسخ.
صفقة “الدراسات والـ 200 مليون سنتيم”: سوء تدبير أم فساد مؤسسي؟
صفقة “الدراسات والـ 200 مليون سنتيم” ليست سوى قمة جبل الجليد في ما يتعلق بالممارسات المثيرة للجدل في إدارة المال العام. هذه الصفقة، التي استنزفت مبالغ ضخمة دون مخرجات واضحة، تُثير تساؤلات حقيقية حول جدوى المصاريف الضخمة التي تُنفق على “الدراسات”. في كثير من الأحيان، تكون هذه الدراسات مكررة أو غير ضرورية، مما يفتح الباب للتكهنات حول استخدام هذا البند كوسيلة لإخفاء أوجه صرف غير مبررة أو حتى مشبوهة.
قانونيًا، يُفترض أن تخضع مثل هذه النفقات لمراجعات دقيقة وفواتير واضحة، لكن إنشاء مكتب دراسة يترأسه “الخبير في الكهرباء” وأحد المحسوبين على أسرة باطرون الحزب، فهذا أمر غير مقبول ويعكس خللًا مؤسسيًا عميقًا وخطيرا. السؤال هنا ليس فقط عن ضياع الأموال، بل عن مدى شيوع هذه الممارسات وعدم فتح تحقيق في الموضوع.
الأموال غير المبررة: أزمة ثقة ومطلب شعبي
ليست صفقة الدراسات سوى واحدة من سلسلة طويلة من القضايا التي تُظهر عدم التزام العديد من المؤسسات بتبرير صرف الأموال العامة. هذا الأمر يُثير أزمة ثقة عميقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية، حيث يشعر المواطن بأن المال العام يُدار بطرق تفتقر إلى الشفافية والمساءلة. لماذا لا تُتخذ إجراءات صارمة لاسترداد هذه الأموال؟ الإجابة، للأسف، تكمن غالبًا في غياب الإرادة السياسية وضعف الآليات القانونية.
تداعيات الصفقات المشبوهة على المشهد السياسي
القضايا المتعلقة بالأموال غير المبررة تضع الأحزاب السياسية في موقف حرج، حيث تواجه اتهامات قد تضر بسمعتها وشعبيتها. من جهة أخرى، تسعى هذه الأحزاب للتصدي لجهود المجلس الأعلى للحسابات، معتبرة الرقابة تهديدًا مباشرًا لمصالحها السياسية. هذا الصراع يُبرز الحاجة إلى إعادة النظر في العلاقة بين الجهات الرقابية والمؤسسات السياسية لضمان استقلالية الرقابة وفعاليتها.
التحديات التي تواجه زينب العدوي
- ضغوط سياسية متزايدة: الأحزاب التي تُواجه انتقادات تُمارس ضغوطًا كبيرة لتقويض جهود المجلس الأعلى للحسابات، وهو أمر يمتحن مدى قدرة زينب على المواجهة.
- غياب ثقافة المحاسبة: لا تزال ثقافة المساءلة ضعيفة، مما يجعل تطبيق الإصلاحات أكثر صعوبة.
- إطار قانوني هش: القوانين الحالية لا تُوفر أدوات فعالة لاسترداد الأموال أو معاقبة المتورطين.
الحلول الممكنة: نحو إصلاح شامل
- إحالة القضايا إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية: لضمان تحقيقات دقيقة وشفافة واسترداد الأموال إلى الخزينة العامة.
- تعزيز الإطار القانوني: تشديد القوانين المتعلقة بالمحاسبة المالية، وفرض عقوبات رادعة على المخالفين.
- رقمنة العمليات المالية: اعتماد أنظمة رقمية لتوثيق وتتبع أوجه الصرف وتعزيز الشفافية.
- إشراك المجتمع المدني: دعم دور الجمعيات والمنظمات المدنية في مراقبة المال العام.
- إطلاق مبادرات لاسترداد الأموال: إنشاء وحدات متخصصة لإعادة الأموال غير المبررة وتوجيهها إلى مشاريع تنموية.
ختامًا: الدور الحقيقي للمجلس الأعلى للحسابات
بينما تُعتبر زينب العدوي وجهًا بارزًا للإصلاح، يجب النظر إلى المجلس الأعلى للحسابات ككل باعتباره أداة أساسية لضمان العدالة المالية. ومع أن العمل الرقابي لا يخلو من تحديات، فإن تعزيز استقلالية المجلس وحمايته من التدخلات يُعدان أمرين ضروريين لنجاح مهمته. لا أحد فوق القانون، واسترداد المال العام يجب أن يكون أولى الأولويات لبناء مغرب جديد قائم على الشفافية والإنصاف.