مجتمع

بين الطيبة والقانون: هل المدينة الفاضلة ممكنة؟

دابا ماروك

كنا نتحدث يومًا مع أحد الظرفاء، فقال إن أهل المنطقة الفلان فلانية يتميزون بالطيبة والسلوك السليم، فرددنا عليه: هل تفتقر نفس المنطقة إلى محكمة ومخافر الأمن والدرك؟ فأجابنا بكل تلقائية:لا. استرسلنا في الحديث وقلنا له إن المدينة الفاضلة لم تعد في هذا العالم بأسره، فمادامت هناك محاكم ومراكز أمن ودرك، فهناك ظالم ومظلوم.

هنا يتجلى الواقع الإنساني بكل تناقضاته: فالخير والشر وجهان متلازمان للحياة، ولا يمكن أن تخلو أي بقعة من العالم من تلك التحديات الاجتماعية التي تفرض وجود مؤسسات لضبط الأمور وحفظ التوازن. إن الفكرة السائدة بأن منطقة ما قد تخلو تمامًا من المشاكل ليست سوى وهم بعيد عن الحقيقة. وجود المحاكم ومخافر الأمن والدرك دليل على وجود مجتمع حيّ يتفاعل ويخطئ ويصحح.

تاريخ البشرية حافل بمحاولات السعي نحو “المدينة الفاضلة”، ذلك الحلم الذي راود أفلاطون والفلاسفة من بعده. لكن الحقيقة هي أن هذه المدينة ليست سوى فكرة مثالية تُستخدم كمعيار لتقييم الواقع. فالإنسان، بطبيعته، مزيج من الخير والشر، وهذا المزيج هو ما يجعل المجتمعات بحاجة إلى قوانين وأنظمة لتسيير شؤونها.

إذا تأملنا في تاريخ الحضارات، نجد أن ازدهارها لم يكن نتيجة غياب المشاكل، بل بسبب وجود أنظمة قادرة على التعامل مع تلك المشاكل بفعالية وعدالة. المحاكم ليست مجرد مبانٍ، بل هي رمز للعدالة ومحاولة دائمة لتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات. مراكز الأمن والدرك ليست فقط لحماية المواطنين، بل لإرسال رسالة واضحة: لا أحد فوق القانون، وأن العدالة هي الأساس.

لذلك، فإن وجود هذه المؤسسات في أي منطقة لا يعني بالضرورة أن سكانها سيئون أو أن مجتمعها منحرف، بل هو تأكيد على أن المجتمع متكامل ويعي أهمية الضبط والتنظيم. ربما تكون هناك مناطق تشتهر بطيبة أهلها وسلوكهم الحسن، لكن هذا لا يلغي الحاجة إلى القوانين والمؤسسات. فالإنسان، مهما كان نقيًا، يظل معرضًا للخطأ، وهذا ما يجعل من وجود سلطة عادلة أمرًا لا غنى عنه.

الخلاصة؟ المدينة الفاضلة ليست مكانًا بلا محاكم أو شرطة، بل هي مجتمع يحقق العدالة ويحمي الحقوق ويحافظ على التوازن. هي فكرة تعمل المجتمعات على الاقتراب منها، لكنها تظل بعيدة المنال طالما بقي الإنسان كما هو: معقدًا، متناقضًا، وساعيًا نحو الأفضل رغم كل شي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى