مجتمع

العلاقات العائلية في المغرب: بين التوتر والحكمة المفقودة

دابا ماروك

تحدثنا سابقا عن مشكلة التوتر داخل الأسرة الواحدة، ونعود اليوم، لنؤكد أن العائلة في المغرب، تعد عمودًا أساسيًا في بناء المجتمع، إذ تستمد قوتها من الروابط العائلية المتينة التي تعزز التضامن والتآزر. غير أن هذه الروابط، التي يفترض أن تكون مصدر دعم واطمئنان، قد تتحول أحيانًا إلى ساحة صراع بسبب خلافات بسيطة، مما يؤدي إلى قطيعة تؤثر على الأجيال الحالية والمستقبلية.

التوتر داخل العائلات: أسباب سطحية ونتائج عميقة

تبدأ المشاكل العائلية غالبًا من أسباب تافهة: اختلاف في وجهات النظر حول تقسيم إرث، نزاع على قطعة أرض، أو حتى سوء تفاهم بسيط قد يتفاقم بسبب تدخل أطراف خارجية أو سوء نقل الكلام. ومع مرور الوقت، تتسع هوة الخلاف ليصبح التصالح شبه مستحيل.

في بعض الحالات، تتعقد الأمور أكثر عندما يكون أحد أفراد العائلة متزوجًا من شخص من نفس العائلة الكبيرة. هنا، يصبح الخلاف بين الزوجين بمثابة شرارة تُشعل فتيل النزاع بين الأسرتين. وفي حالة الطلاق، يتحول الأمر إلى صراع مستمر تتخلله الاتهامات والقطيعة، مما يجر العائلتين إلى ما يشبه الحرب الباردة، حيث تسحب “السفارات” وتُقطع “العلاقات الدبلوماسية”.

التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه النزاعات

مثل هذه الخلافات لا تقتصر على الأطراف المتنازعة فقط، بل تمتد لتشمل الأطفال، الذين يجدون أنفسهم ضحايا للانقسام. هؤلاء الأطفال ينشأون في بيئة يسودها التوتر وعدم الثقة، مما يؤثر على تكوين شخصيتهم ويجعلهم أقل قدرة على بناء علاقات اجتماعية صحية في المستقبل.

أما على المستوى الاجتماعي، فإن النزاعات الأسرية تضعف النسيج العائلي وتقلل من التضامن بين أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع تدريجيًا.

الحل: استعادة شعرة معاوية   

لحل هذه النزاعات، يجب استرجاع ما يُعرف بـ”شعرة معاوية”، وهي رمز الحكمة والتوازن في التعامل مع الأزمات. هنا تظهر أهمية الحوار المفتوح والصريح بين أفراد العائلة، حيث يجب أن يتسم بالنزاهة والاحترام المتبادل.

  1. التسامح والتنازل
    على كل فرد أن يدرك أن التنازل في بعض المواقف لا يعني الضعف، بل هو خطوة نحو الحفاظ على استقرار العائلة. التسامح ليس خيارًا، بل ضرورة لاستمرار العلاقة الأسرية.
  2. دور الحكماء وكبار السن
    كبار السن في العائلة يلعبون دورًا محوريًا في حل النزاعات. حكمتهم وتجربتهم الطويلة يمكن أن تكون مفتاحًا لإعادة المياه إلى مجاريها.
  3. اللجوء إلى الوساطة
    في بعض الأحيان، قد تكون الوساطة الخارجية ضرورية، خاصة عندما تصل الأمور إلى طريق مسدود. هنا يمكن الاستعانة بشخصيات محترمة قريبة من العائلة للتدخل بحيادية.
  4. التربية على قيم الاحترام
    لتجنب مثل هذه الخلافات في المستقبل، يجب غرس قيم الاحترام والتفاهم في نفوس الأطفال منذ الصغر.

العائلة كحصن اجتماعي

في النهاية، يجب أن نعي جميعًا أن العائلة ليست مجرد تجمع لأفراد تجمعهم صلة الدم، بل هي حصن اجتماعي يحمي أفراده من تقلبات الحياة. الحفاظ على هذا الحصن مسؤولية مشتركة تتطلب وعيًا جماعيًا، وحكمة في التعامل مع الأزمات، ورؤية طويلة المدى لما يمكن أن تؤول إليه الأمور إذا استمرت القطيعة.

حين نتمسك بشعرة معاوية، نضمن بقاء العائلة متماسكة، مهما كانت العواصف التي تعصف بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى