دابا ماروك
حين تسمع تصريح بايتاس، قد تشعر بأنك على وشك الاستيقاظ من حلم وردي، حيث تتراقص الميزانيات، وتغني المؤشرات الاقتصادية أغاني الفرح والتنمية. لكن، قبل أن تفتح عينيك بالكامل، دعنا نتساءل: هل يعيش الوزير في المغرب الذي نعرفه؟ أم أنه يتحدث عن مغرب آخر، لا نراه نحن البسطاء؟
الكوميديا المالية: خفض المديونية؟ حقاً؟
بايتاس يصف خفض المديونية من 71% إلى 68% بأنه “إنجاز كبير”. لوهلة، قد يظن السامع أننا سددنا ديوننا بالكامل، وربما بدأنا بإقراض الدول المجاورة! لكن ماذا عن الواقع؟ الأرقام جميلة على الورق، لكنها تعني ببساطة أن الدين لا يزال يلتهم نصيب الأسد من موارد الدولة، وأن المواطن العادي يعيش تحت وطأة سياسات تقشفية، تُسوّق على أنها “رؤية اجتماعية”. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل المواطن الذي يكافح لدفع فواتير الماء والكهرباء يشعر بهذا “الإنجاز الكبير”؟ أم أنه مجرد ديكور رقمي لإبهار وكالات التصنيف الائتماني؟
التعليم: 40 % زيادة؟ أم 40 % “دعاية”؟
زيادة ميزانية التعليم بـ40 %؟ هذا أمر يبدو وكأننا دخلنا عصرًا ذهبيًا جديدًا. لكن مهلاً، أين يذهب هذا المال؟ هل انعكس على جودة المدارس العمومية، التي ما زال العديد منها يفتقر إلى الأساسيات مثل المقاعد والمرافق الصحية؟ أم أن هذه الزيادة ذهبت لتغطية “التسويقات” المتعلقة بالنظام الأساسي الجديد، الذي لا يزال رجال ونساء التعليم يشكون من ثغراته؟
أما مسألة “تسليع التعليم”، فإنكارها بهذا الشكل يبدو أشبه بمحاولة إقناعنا أن الشمس لا تشرق من الشرق. هل ننسى العدد المتزايد من المدارس الخاصة التي أصبحت الحل الوحيد لأسر متوسطة الحال؟ يبدو أن الحكومة ترى أن التعليم العمومي في “أفضل حالاته”، بينما الواقع يُظهر أمورا أخرى.
الصحة: الثورة الوهمية
أما عن قطاع الصحة، فإن تسمية ما يحدث بـ”الثورة الاجتماعية” هو ضرب من الكوميديا الساخرة. من الذي يشعر بهذه الثورة؟ هل هم المرضى الذين ينتظرون شهوراً للحصول على موعد في المستشفى العمومي؟ أم الأطباء الذين يضطرون للعمل في ظروف لا تليق بقطاع حيوي كهذا؟ ربما “الثورة” هنا هي أن المواطن أصبح مقتنعًا أن الطريق الوحيد للحصول على رعاية صحية محترمة هو التوجه إلى القطاع الخاص أو السفر إلى الخارج إذا كان محظوظًا بما يكفي.
الأرقام الخيالية: السحر الحكومي
45 مليار درهم لزيادة الأجور؟ دعم 11 مليون مواطن؟ إعفاء المتقاعدين من الضرائب؟ إذا كانت هذه الأرقام صحيحة، فأين يختبئ أثرها على حياة الناس؟ هل هذه الإجراءات موجودة فقط في التصريحات الصحفية؟ أم أن “التحسين” هنا لا يُقاس إلا بمقاييس الحكومة الخاصة، التي يبدو أنها تعيش في كوكبٍ موازٍ؟
الاستنتاج: ضحك على الذقون أم على المريخ؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لمن وُجّه هذا الخطاب؟ إذا كان إلى المغاربة، فإن بايتاس يبدو وكأنه يستهزئ بذكاء المواطنين الذين يعايشون الواقع الصعب يومياً. أما إذا كان موجهاً إلى المريخ، فربما علينا جميعاً أن نحجز تذكرة للالتحاق بالوزير هناك، لأن الأرض التي يتحدث عنها لا تشبه مغربنا بشيء.
وفي النهاية، إذا كان الوزير مقتنعًا بما يقوله، فربما عليه قضاء يوم واحد في صفوف المستشفيات العمومية أو المدارس المكتظة أو الأسواق الشعبية. حينها فقط، قد يدرك أن المغرب الحقيقي بعيد كل البعد عن صورة الأحلام التي يروج لها في تصريحاته.