حينما تُضحّي لنفسك، لكن الآخرين يقتاتون على تعبك: درس في الحذر من النفاق الاجتماعي
م-ص
في عالم يسوده النفاق والتظاهر، يصبح الأمر تحديًا حقيقيًا أن تظل مخلصًا لذاتك. أحيانًا، يشعر الإنسان بأن حمله لأعباء الآخرين هو الطريق الوحيد لإثبات “طيبة قلبه” أو “حسن نيته”، ولكنه في الحقيقة يعرض نفسه للتقوقع في فخ من أوهام ومظاهر لا طائل من ورائها. أن تضع نفسك في مواقف مرهقة أمام الآخرين وتتنازل عن راحتك الشخصية تحت مسمى “الواجب” أو “المساعدة” هو في الواقع أشبه بحفر نفق في صخر أملًا في العثور على مخرج. لكن الواقع يقول إن هذا النفق قد يتعمق في متاهات لا مخرج لها، كما لو أنك تحفر في الصخر ثم تجد نفسك عائدًا لنقطة البداية.
مجتمعنا، كما نعلم جميعًا، مليء بأنواع مختلفة من الناس الذين يبدون جادين ومهتمين، لكنهم في واقع الأمر يقتاتون على أحلام الآخرين ويسرقون تعبهم دون أن يشعروا بأي ذنب. وفي هذا السياق، يبدو أن هناك دائمًا شخصًا مستعدًا لابتلاع الشوك على أمل أن يحصل على بعض الفائدة. لكن المأساة الحقيقية تكمن في أنه، في نهاية المطاف، حينما “ينتفع” الآخرون من شوكه، يكون الشخص الذي قدم المساعدة قد انتهى به الحال إلى أسوأ ما يمكن أن يتخيله.
ففي كثير من الأحيان، يعاني الشخص الذي يقدم يد العون من عدم تقدير الآخرين لجهوده، بل يواجه القسوة والجحود. ربما يتوقع، في لحظة ما، أن يعترف الناس بالجميل الذي قدّمه، لكن في الواقع، غالبًا ما ينقلب هؤلاء عليه، ويظهرون في صورة المنافقين الذين يتنكرون تمامًا لمن أسهم في مساعدتهم. إن الاعتراف بالجميل، إذا جاء، يأتي في الوقت الخطأ، من الأشخاص غير المتوقعين، أو لا يأتي أصلاً.
وفي هذه اللعبة الاجتماعية، تصبح المعادلة معقدة للغاية: كلما حاولت أن تكون أكثر كرمًا وتواضعًا، كلما زادت احتمالات أن تُستغل وتُخدع. والأمر لا يتعلق هنا فقط بمسألة تقديم المساعدة، بل يتجاوز ذلك إلى فهم أساسي للعلاقات البشرية في مجتمع ينمو فيه الأنانيون والنفعيون بسرعة.
الدرس هنا واضح: لا يجب أن تُفرط في التنازل عن ذاتك. لأن التضحية بمصلحتك الشخصية باسم الآخرين قد لا تجلب لك سوى الخيبة. حاول أن تكون لطيفًا، ولكن بحذر، ولا تفرط في إظهار النية الطيبة لمن لا يستحق. إن الحقيقة التي يجب أن تعيها هي أن الناس الذين لا يُقدرون تعاطفك، أو الذين يتوقعون منك أن تكون دائمًا في خدمتهم، لا يستحقون منك أن تحمل نفسك فوق طاقتها.