عندما يتحول الإضراب إلى ماراثون بين الكراسي والمذكرات!
دابا ماروك
في مشهد يبدو وكأنه مقتبس من مسرحية عبثية، اجتمع يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، مع إحدى النقابات، ولكن ليس من أجل تقديم حلول جذرية لمشاكل الشغيلة المغربية، بل لتبادل الابتسامات الرسمية والمذكرات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع.
الحدث الذي جرى يوم الجمعة الماضية أثار العديد من التساؤلات بين المتابعين. ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومة تُشاور وتُناقش، كانت النقابات الأخرى تعبّر عن “امتعاضها” عبر تصريحات نارية، مشككة في “تغول” الحكومة وكأنها تتحدث عن فيلم سياسي مثير، حيث يسيطر الشرير على كل شيء ويُترك الخير ليتحسر على أيام الحوار الضائعة.
لكن، وفي خضم هذا المشهد، لا يمكن إغفال النوايا الحقيقية للحكومة التي يبدو أنها تسعى إلى تعرية الطبقة الشغيلة من حقوقها الأساسية، عبر تكبيلها بقانون يعيدها إلى عصور السخرة. هذا القانون الذي يهدف إلى تقليص حقوق العمال وفرض المزيد من القيود عليهم، يُظهر جليًا محاولات تركيع الطبقة العاملة بأسلوب مذل وغير إنساني. وبينما يدور هذا الجدل، نعبّر عن خشيتنا من أن تبيع إحدى النقابات هذه المفاوضات، وتتنازل عن حقوق العمال مقابل مكاسب شخصية، مما سيؤدي إلى تعزيز السيطرة على الطبقة الشغيلة بدلاً من الدفاع عن مصالحها.
وفي زاوية أخرى من المسرح، تصر بعض النقابات على تحويل كل نقاش إلى مناظرة حول المفاهيم: هل نحن بحاجة إلى “التشاور” أم إلى “التفاوض”؟ هل الاجتماعات الفردية ستثمر؟ أم أن “الاجتماعات الجماعية” هي الحل السحري؟ وبينما تدور هذه الجدالات العميقة، يبدو أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب يواصل رحلته في البرلمان بهدوء، كأنه يعلم جيدًا أن كثرة الكلام لا توقف العجلة.
من جهة أخرى، ظهر الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وكأنه يُغني لحنًا مختلفًا تمامًا، مدافعًا عن لقاء الجمعة باعتباره “بداية حوار شامل”، مُشيرًا إلى أن النقابة تطمح لفتح النقاش مع الجميع، حتى “الطلبة”، في مبادرة تحمل في طياتها أحلامًا وردية بمد جسور التواصل مع المستقبل.
وفي نهاية المطاف، يبقى المشهد أشبه بمباراة شطرنج بين الحكومة والنقابات، حيث يتحرك كل طرف بخطوات محسوبة وسط رقعة مليئة بالألغام. والمواطن المغربي، كما هي العادة، يجلس على المدرجات يراقب ويتساءل: هل سيجد هذا النقاش طريقه إلى تحسين أوضاع الشغيلة، أم أنه مجرد حلقة أخرى في مسلسل طويل اسمه “الحوار الاجتماعي”؟
الجواب قد نجده قريبًا… أو ربما في لقاء آخر يوم جمعة!