اقتصادمجتمع

مجلس المنافسة: هل هو حامي المستهلك أم مدافع عن اللوبيات؟

دابا ماروك

يبدو أن مجلس المنافسة قد قرر أخيرًا الخروج من سباته ليقدم تقريرًا عن أسعار بيع المحروقات، ليؤكد لنا من جديد أن تسعير الوقود في محطات الخدمة لا يُقاس مباشرة بأسعار النفط الخام، بل يعتمد على الأسعار المرجعية للمنتجات المكررة المعروفة بأسعار “بلاتس” (Platts)، المطبقة في الأسواق الدولية. هذا البيان، وإن كان يحمل طابعًا تقنيًا يوحي بالحياد والشفافية، يثير في الحقيقة تساؤلات عميقة حول دور المجلس وطبيعة موقفه تجاه ارتفاع الأسعار وتأثيرها على المواطن العادي، وعمّا إذا كان فعليًا يخدم مصالح المستهلك أو يدافع عن مصالح اللوبي النفطي والحكومة.

ورغم تقديم المجلس لهذه المعطيات، إلا أن المعنى الأهم للمواطن يكمن في سؤال بسيط: هل هذه الأسعار عادلة؟ المواطن الذي ينتظر تحسن الأسعار في محطات الوقود لا يهمه التفاصيل المعقدة حول “تكاليف الشراء” أو معايير “بلاتس”، بل يهمه أن يشعر بتأثير تلك الانخفاضات في تكاليف الوقود على حياته اليومية ومصاريفه الأساسية. ومع ذلك، يبدو أن المجلس قد ركّز على تفسير سبب استمرار الأسعار المرتفعة رغم انخفاض التكاليف الدولية، وكأنه بذلك يبرر الأسعار الحالية أكثر من أن يسعى لتقويمها.

تفصيلات الأسعار وغياب التأثير الحقيقي

يوضح التقرير أن التكاليف انخفضت بشكل طفيف في الربع الثاني من سنة 2024، حيث تراجعت تكلفة شراء الغازوال والبنزين، ما دفع بعض شركات التوزيع إلى تطبيق انخفاضات على أسعار التفويت لتتناسب مع التكلفة المتغيرة. لكن التقرير، الذي يتعمق في سرد الفوارق بالدرهم والنسب الدقيقة، يكاد يعطي انطباعًا أن تلك التخفيضات ستحدث فرقًا كبيرًا، بينما على أرض الواقع يظل المستهلك في المغرب عاجزًا عن ملاحظة تلك “التخفيضات الهامشية” في ظل غلاء المعيشة المستمر.

ورغم أن المجلس يشير إلى أن متوسط سعر التفويت انخفض بمقدار 0.66 درهم للتر بالنسبة للغازوال و0.33 درهم للتر للبنزين، إلا أن هذه الأرقام لا تعكس فعليًا الفروقات التي يتوقعها المواطن المغربي، فالتخفيضات التي بالكاد تتجاوز نصف درهم تبقى غير مؤثرة إذا ما قورنت بتكاليف المعيشة التي تنهك جيوب المواطنين.

التركيز على التكاليف دون معالجة جوهر المشكلة

التقرير يعرض أيضًا تحليلاً مطولاً لتكاليف الشراء، والتي تتضمن الشحن، التأمين، والتفريغ، بل وحتى الضرائب، وكأن المجلس يحاول تبرير السعر النهائي الذي تدفعه الشركات ويحاول إقناع المستهلكين بعدالة تلك الأسعار على الورق. لكن هذا السرد قد يعطي انطباعًا بأن مجلس المنافسة يسعى لإرضاء اللوبيات النفطية أكثر من حماية المستهلك، ما يثير التساؤلات حول دوره الحقيقي.

في الواقع، المواطن الذي يتابع تصريحات المجلس لا يبحث عن تفسير طويل ومملّ للتكاليف، بل يتطلع إلى دور رقابي فعّال يقف بجانبه ويعمل على ضبط الأسعار لتتناسب مع دخل المواطن، وليس لتتناسب مع حسابات اللوبيات التي تُغفل الاعتبارات الاجتماعية.

المسرحية المستمرة في سوق المحروقات

وهكذا، يُظهر التقرير الثالث لمجلس المنافسة أن الشركات التسع الكبرى المعنية بسوق توزيع الوقود تلتزم بتطبيق التعهدات التي اتفقت عليها مع المجلس، عبر خفض أسعار البيع بشكل طفيف متماشي مع التغيرات في التكلفة، ولكن هذه الالتزامات تظل أقرب إلى مسرحية ظاهرها التنافسية وباطنها استمرارية استغلال جيوب المستهلكين. وما يعمّق من التراجيديا هنا هو أن المجلس يُصر على تكرار هذه التقارير “التوضيحية” بشكل منتظم، وكأن الشعب كان ينتظر بفارغ الصبر هذه المعلومة التي تخبره عن سبب استمرار غلاء المحروقات!

فإذا كان دور المجلس لا يتعدى الإشارة إلى الأسباب الفنية وراء الأسعار دون اتخاذ إجراءات ملموسة لحماية المستهلك، فإن المواطن سيظل يتساءل عن جدوى وجوده، وعن ما إذا كان المجلس فعلاً يمثل مصالح الشعب أو أصبح مجرد وسيلة لشرعنة القرارات التي تحافظ على أرباح الشركات.

خاتمة: مجلس المنافسة وتحديات الشفافية

قد يكون الوقت قد حان ليتحول مجلس المنافسة من مجرد مبرر لارتفاع الأسعار إلى هيئة حقيقية تسعى إلى ضمان العدالة السعرية التي تعود بالنفع على الشعب المغربي. فالمواطن المغربي الذي يعاني من تضخم أسعار المواد الأساسية يتطلع إلى حماية أكبر لحقوقه وشفافية حقيقية في تحديد أسعار المحروقات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى