اقتصادمجتمع

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والهيئة الوطنية للنزاهة: تكاليف باهظة ومردود محدود؟

دابا ماروك

مقدمة: تثير قضية الإنفاق على مؤسسات محاربة الفساد وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب تساؤلات حول جدواها مقابل المبالغ الطائلة التي تُخصص لها سنوياً. وعلى رأس هذه المؤسسات، يأتي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، اللذان يستنزفان ميزانيات كبيرة؛ لكن حصيلة إنجازاتهما تبقى مثار انتقادات لغياب تأثير واضح على حياة المواطنين ومستوى الشفافية والنزاهة في القطاعات العمومية.

اعتمادات مالية ضخمة وحصيلة محبطة: فيما يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة، نجد أنها حصلت على ميزانية سنوية ضخمة، بلغت 210 ملايين درهم لسنة 2025 بعد تخفيض قدره 60 مليون درهم. تتوزع هذه الميزانية بين رواتب الموظفين ونفقات التسيير ومشاريع الاستثمار، إذ تشكل رواتب الموظفين وحدها ما يقرب من نصف الميزانية (114 مليون درهم)، بينما تُصرف 46 مليون درهم على المعدات والنفقات العامة. وعلى الرغم من هذا الإنفاق، يستمر المواطنون في التساؤل عن حجم الإنجازات في مواجهة الفساد الذي يُعد من أبرز العقبات التي تقوض التنمية وتعرقل الاستثمار.

المشاكل البنيوية في مكافحة الفساد: بحسب تصريحات رئيس الهيئة، محمد بشير الراشدي، تعاني الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (التي أطلقت في 2015) من نواقص عديدة تشمل غياب التنسيق وضعف الانسجام بين البرامج، مما أثر سلبًا على فعاليتها. ورغم إدخال تعديلات منذ 2019، إلا أن الإستراتيجية لا تزال تواجه عراقيل تجعل تحقيق أهدافها بعيد المنال، إذ يعتمد التنفيذ على مقاربة قطاعية مفتتة، بينما تغيب الحكامة الفعّالة وآليات التنسيق.

وقد أسهمت هذه التحديات في إضعاف الأثر المتوقع على المواطنين والشركات، وأدى غياب التنسيق إلى تنفيذ مشاريع جزئية ومعزولة بلا ترابط واضح مع الأهداف الكبرى. وعلى سبيل المثال، لم تغطِ الاستراتيجية بشكل كافٍ مواضيع محورية تتعلق بتخليق الحياة السياسية والانتخابية، وهي مجالات رئيسية لتعزيز النزاهة والثقة العامة.

الكلفة الاقتصادية للفساد وآثاره على الإنتاجية: أشارت الهيئة إلى أن الفساد يكلف الاقتصاد المغربي سنويًا حوالي 50 مليار درهم، ما يعادل 2% من الناتج الداخلي الخام. هذه الكلفة تنعكس سلباً على الإنتاجية والاستثمار، حيث يواجه القطاع الخاص ارتفاعًا يصل إلى 20% في تكاليف الاستثمار بسبب الفساد، مما يؤثر على المبادرة الفردية ويحدّ من الابتكار والنمو الاقتصادي. إن الفساد يعزز توطين الاقتصاد غير المهيكل ويكرس اقتصاد الريع ويحول دون تحسين المناخ الاستثماري في المغرب.

هل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يحقق النتائج المرجوة؟ يتلقى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بدوره اعتمادات كبيرة من الدولة، ويضم في عضويته شخصيات من مختلف القطاعات، بما في ذلك النقابات، ويتمتع أعضاؤه برواتب سخية. ومع ذلك، يبقى التساؤل حول ما تحقق من إنجازات ملموسة على أرض الواقع، وما إذا كانت مخرجات المجلس تلبي طموحات المغاربة. يشتكي المواطنون من عدم رؤية مردود ملموس لهذه المصاريف في تحسين حياتهم اليومية أو في مواجهة الفساد المستشري في العديد من القطاعات.

أين يكمن الخلل؟ من الواضح أن هناك حاجة ملحة لتقييم شامل لأداء المؤسسات المسؤولة عن مكافحة الفساد وتحقيق التنمية. وتظل المطالب بتركيب كاميرات مراقبة في الإدارات والمرافق العامة كأحد الحلول الرامية لتعزيز الشفافية، ما يعكس الرغبة العامة في مراقبة أكبر لمكافحة الرشوة والفساد. كما ينبغي للمؤسسات المعنية الالتفات إلى إعادة هيكلة استراتيجياتها وتبني مقاربات متكاملة، تضمن التنسيق بين القطاعات وفعالية الإنفاق العام.

خاتمة: تتطلب الأوضاع الحالية مراجعة جادة لكفاءة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والهيئة الوطنية للنزاهة وتحديد دورهما الفعلي في تحسين واقع المغاربة. إن استمرار ضخ هذه الميزانيات دون تحقيق النتائج المرجوة يدعو إلى التساؤل حول السياسات الحالية وجدوى الإنفاق، وبالتالي، بات من الضروري وضع معايير صارمة لمراقبة الأداء وتقييم الأثر، لضمان تحقيق تطلعات المواطنين في إدارة موارد الدولة بنزاهة وفعالية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى