مجتمع

بين جدران الانتظار: أسر المعتقلين من الساسة والأثرياء بين الألم والخيبة

على الرغم من اختلاف الأسماء والمناصب، يجتمع الألم عند عتبات الزنازن

دابا ماروك

حين نتابع قصص العائلات التي عاشت الحياة المخملية وتنعمت بنفوذ يضمن لها أسلوب حياة لا يقبل القيود، فإن زلزال اعتقال أحد أفرادها يكون مدمراً. لم يكن السجن يوماً في حساباتهم، بل حتى فكرة وجودهم في بيئة تعج بالضغوطات والمعاناة النفسية كانت أمراً مستبعداً. هنا، يكمن التحدي الأكبر: مواجهة التحول من رفاهية غير محدودة إلى واقع اجتماعي قاسٍ، يُثقل كاهل الأسر بوطأة الصدمة والانهيار النفسي.

أفراد هذه العائلات يعيشون مراحل قاسية من الإحباط والتوتر. المعنويات المنهارة تدفع البعض إلى الانعزال عن العالم، في محاولة للهروب من نظرات المجتمع المليئة بالاستفهامات والتشفي. تتجلى هذه الحالة بوضوح في قصص زوجات لم يعدن قادرات على تحمل عبء مواجهة المجتمع، وأبناء تدهورت حياتهم الدراسية أو الوظيفية بسبب الوصمة التي التصقت باسم عائلتهم. الجدران الفاخرة لمنازلهم باتت أقرب إلى أسوار تحاصرهم في عزلة عن الحياة التي كانوا يعرفونها.

من جهة أخرى، تتحدث بعض الأسر عن محاولات لإعادة بناء حياتها؛ إلا أن أصوات الأحكام المجتمعية تظل تطاردها بلا هوادة. العائلات تواجه تحديات مضاعفة، إذ لا تقتصر محنتها على فقدان الأحبة فقط، بل تشمل أيضاً خوض معارك مع وصمة العار. “كيف سقطوا؟”، يتساءل الجيران والمعارف، وكأن المال والنفوذ يُفترض بهما أن يُحصنا أصحابهما ضد السقوط.

أما الجرح الأكثر إيلاماً في روايات هذه العائلات، فهو تعرّضها لانهيارات نفسية متعددة الأبعاد: القلق المستمر، نوبات الاكتئاب، والاضطرابات العاطفية التي تتفجر عند أدنى محفّز. الدعم الاجتماعي، الذي كان في السابق متوفراً عند أدنى مشكلة، بات يتبخر تدريجياً، ليترك هذه العائلات في عزلة. أصدقاء الأمس أصبحوا أعداء أو، في أحسن الأحوال، متفرجين صامتين.

ومع ذلك، هناك جانب آخر لهذه المعادلة. فعائلات معتقلي الطبقات الاجتماعية الفقيرة تعيش بدورها قصص مختلفة، لكنها تتسم أيضاً بمعاناة فريدة. لا تغير القضبان الكثير من واقعهم، إذ لطالما عاشوا في “زنازن” غير مرئية من الفقر والحرمان. لكن، حين يُعتقل أحدهم، تضاف إلى مشقاتهم طبقة جديدة من الألم، تجسّدها زيارات متعبة إلى السجون، ومساعٍ يائسة للحصول على محاكمة عادلة.

وبين هؤلاء وهؤلاء، نجد أن المجتمع لا يرحم أحداً. فبين التشفي من سقوط الأثرياء والتجاهل المعتاد لمعاناة الفقراء، يبقى هذا المجتمع مرآة تعكس التفاوت الصارخ في تجارب الأسر المتألمة. إنه امتحان حقيقي لقوة التحمل، ومحاولة لإعادة ترتيب أولويات الحياة التي، مهما بدا أنها على وشك الانهيار، لا تزال تحتفظ بشعاع من الأمل وسط زنازن الانتظار.

إن الأثرياء، ومعهم الساسة الذين جمعوا “تحويشة المسؤولية”، يقبعون الآن في زنازن من خمسة نجوم. ورغم ترفها الواضح وتوفر وسائل الراحة، تبقى هذه الزنازن محرومة من جوهر الحرية. إنها مفارقة قاسية: حتى داخل سجن يتوفر فيه كل شيء ما عدا الحرية، يظل الوجع واحدًا. فمن ذا الذي يمكنه أن يشتري الحرية حين يُحكم عليه بالحرمان منها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى