محاكمة أطباء المستقبل: بين عصا السلطة وهروب أبناء الإسكافي!
دابا ماروك
آه، إذاً نحن الآن أمام مشهد سريالي آخر من مسرحية “الطب والقضاء”، حيث 27 من أبناء الشعب، وقد يكونون فعلاً أبناء إسكافي أو حتى قاضي، وها هم يقفون أمام المحكمة كمتهمين لأنهم طالبوا بحقوقهم. لا، لا، لا! لا تتسرعوا في الحكم! الأمر ليس مضحكًا، إنه أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. نحن نتحدث عن أطباء المستقبل، هؤلاء الذين سيكونون ملزمين بمعالجة نزلات البرد، والكسور، وحتى الجروح التي قد تصيب الحكومة حين تجرح مشاعرها برؤية هؤلاء الشبان يغادرون البلاد بحثًا عن حياة أفضل، وعن تعويضات توازي على الأقل ثمن الساندويتش الذي كانوا يشترونه وهم طلبة.
لكن، دعونا نعود إلى المحكمة، حيث جرت أولى الجلسات في الملف الشهير الذي يحمل رقم 2024/2104/7084، وكأنها شيفرة سرية لمهمة مستحيلة. تصوروا قاضي المحكمة الابتدائية بالرباط، الذي ربما فكر وهو ينظر إلى هؤلاء الأطباء الداخليين والمقيمين: “كيف لي أن أحاكم من قد يصبح طبيبي الخاص؟” ولهذا السبب، حكمة القضاء تتجلى في منحه مهلة أخرى للمتابعين لتحضير الدفاع. أجلت الجلسة إلى يوم الأربعاء 20 نونبر، وكأن العالم سينقلب رأسًا على عقب حين يأتي هذا الموعد.
القضية في جوهرها ليست سوى انعكاس لواقع مرير أكثر مما قد نتخيل، حيث الوقفة الاحتجاجية التي نظمها هؤلاء الأطباء في 26 شتنبر لم تكن سوى صرخة من أبناء الشعب الذين حلموا يوماً بإنقاذ الأرواح، ووجدوا أنفسهم في مواجهة عصا السلطة.
وبالحديث عن السلطة، يبدو أن الحكومة ما زالت تلوك لسانها عوض أن تواجه الواقع المرير الذي يعيشه عموم أبناء الشعب الأطباء. إذاً، ماذا لو كانوا يهربون؟ الأمر بسيط، ماداموا يتقاضون أجوراً بالكاد تكفيهم لشراء اللوازم الطبية الأساسية، فهم قد يرون أن الهروب إلى الخارج هو الحل الأمثل. لماذا؟ لأن هناك، في البعيد، حيث الأجور قد تتناسب مع القدرة الشرائية، يصبح المستقبل أكثر إشراقًا.
والوساطة؟ آه، الوساطة، تلك الكلمة السحرية التي تُستخدم لإبقاء الجميع على قيد الأمل! وسيط المملكة لم يتوصل حتى الآن إلى شيء ملموس من الحكومة. حسناً، فلنقل إنها مثل جراح يحاول ضماد الجرح، ولكن دون مواد طبية. نقاط الخلاف؟ لا شيء جديد، مجرد تقليص مدة التكوين، والعقوبات التأديبية، وبرمجة الامتحانات. نعم، هذه هي المطالب الحياتية التي تقف بينها وبين حياة أفضل.
في نفس السياق، علمنا أن هناك عددًا كبيرًا من المحامين الذين تطوعوا للنيابة عن أطباء الغد في هذا الملف، وهو مرشح للارتفاع بشكل ملحوظ. هذا التوجه يعكس تضامن المجتمع القانوني مع القضايا الحقوقية، ويعزز من فرص حصول الضحايا على العدالة والمساندة القانونية اللازمة في مواجهة التحديات التي يواجهونها.
في النهاية، لا يسعنا إلا أن نضحك على هذه المهزلة، ضحكًا لا يخلو من الألم، لأننا نعلم جميعًا أن الحلول ليست في المحكمة ولا في تلك الجلسات المؤجلة، بل في مكان آخر، حيث ربما تُحاك قرارات لا تأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء الأطباء هم بالفعل أبناء الشعب، أبناء الإسكافي، القاضي، وربما حتى أبناء الوطن الذي لم يتعرف بعد على أبنائه.