مجتمع

“شكون عدوك؟ خوك في الحرفة!” – صراع البقاء في غابة النفاق الاجتماعي

م-ص

المقولة الشهيرة “شكون عدوك؟ خوك في الحرفة!” ليست مجرد كلمات تتداولها الألسن في المقاهي المغربية، بل هي حكمة عميقة تعبر عن واقع اجتماعي مؤلم ينتشر ليس فقط في المغرب، بل في معظم الدول العربية. إنها تلخيص ساخر لواقع مرير، حيث لا ينتهي الأمر عند التنافس المشروع في العمل، بل يمتد إلى الحسد، النميمة، والنفاق الاجتماعي الذي ينخر عظام المجتمعات.

أصدقاء العمل أم أعداء مستترون؟

في عالم العمل، يُفترض أن يكون الزملاء بمثابة العائلة الثانية، ولكن في كثير من الأحيان، يتحول هؤلاء “الأصدقاء” إلى منافسين شرسين، يتسلحون بألسنة حادة وقلوب مليئة بالحقد. ومن الطريف أن ترى كيف يتحول الشخص من زميل يُهنئك بمناسبة خاصة إلى منافس يفرح في الخفاء عند سماع خبر سيء عنك. هنا، لا يوجد مكان للضعفاء؛ إنها “غابة” يتصارع فيها الجميع من أجل البقاء، ليس فقط في مكان العمل، ولكن أيضًا في مكانة النميمة والحسد.

حملات التضامن: استعراض عضلات أم دفاع عن النفس؟

لنكن صريحين، حتى حملات التضامن التي تُنظم لدعم زميل أو صديق في العمل قد تكون في الحقيقة دفاعًا عن النفس واستعراضًا للعضلات أمام الآخرين. إذ لا نعمم، ولكن يُظهر البعض تضامنهم المزعوم على أمل أن يظهروا بمظهر “الشخص النبيل”، بينما في الحقيقة، يبحثون عن مكاسب شخصية، أو على الأقل عن مكانة اجتماعية محسّنة. والأدهى من ذلك، أن هذه الحملات قد تكون مجرد ستار يخفي تحته مشاعر الحقد والكراهية.

النفاق الاجتماعي: “فن” قائم بذاته

النفاق الاجتماعي، يا له من “فن” متقن! يُمارس هذا الفن بكفاءة عالية في الدول العربية، حيث تُكتب الابتسامة على الوجه بينما تُخبئ السموم خلفها. تجد الشخص يُشيد بإنجازات زميله علنًا، ولكنه في داخله يغلي بالحسد، ويتمنى لو يراه يسقط ويتعثر. ولا نتحدث هنا عن خلافات حقيقية أو نزاعات على مشاريع عمل، بل عن عداءات رخيصة لا سبب لها سوى أمراض نفسية متجذرة، قد تكون ناتجة عن التربية أو من البيئة المحيطة.

“أبغض من عدوك، زميلك في العمل!”

نعم، لا عجب في أن تُصبح العداوة “الحقيقية” ليست بين الأعداء التقليديين، بل بين الزملاء في العمل. الزميل الذي يُفترض أن يكون سندك، يتحول فجأة إلى “العدو اللدود” الذي يترصد لك الأخطاء ويُعد عليك الأنفاس، بل ويختلق القصص لتشويه سمعتك. الأمر قد يكون أشبه بمسلسل درامي طويل، حيث تتداخل فيه مشاهد المؤامرات والخيانات.

الضحية الحقيقية: العمل الجماعي والمصلحة العامة

في النهاية، الضحية الحقيقية لكل هذه المسرحيات الاجتماعية هو العمل الجماعي والمصلحة العامة. فلا يمكن لأي مؤسسة أو شركة أن تزدهر في بيئة تسودها الشكوك والمكائد. إن التنافس البناء يتحول إلى حرب خفية، والشخصيات تتحول إلى لاعبين في مسرحية لا تنتهي، حيث لا منتصر حقيقي، بل خسائر للجميع.

الاستثناءات في النفاق الاجتماعي والمنافسة بين الزملاء:

رغم أن النفاق والمنافسة غير الشريفة بين الزملاء في مكان العمل شائعان في كثير من الأحيان، إلا أن هناك استثناءات بالطبع، وإن كانت قليلة. في بعض البيئات المهنية، تجد زملاء يعملون بروح الفريق فعلاً، ويُظهرون دعمًا حقيقيًا لبعضهم البعض، ويتشاركون النجاح والإنجازات بلا حسد أو ضغائن. هؤلاء الزملاء يمكن اعتبارهم نماذج نادرة، حيث يسود الاحترام المتبادل، وتكون مصلحة العمل والفريق هي الأولوية، مما يؤدي إلى بيئة عمل صحية ومنتجة.

نهاية سعيدة؟ ربما في عالم آخر!

ولئن كنا نبحث عن نهاية سعيدة لهذه القصة، فإنها قد تكون في عالم آخر، حيث لا يُنظر إلى الزميل على أنه “العدو” بل كرفيق في رحلة العمل. أما في واقعنا المعاش، فلربما نحتاج إلى سنوات ضوئية من التطور الاجتماعي والنفسي لكي نصل إلى هذه المرحلة المثالية. وحتى ذلك الحين، ستبقى مقولة “شكون عدوك؟ خوك في الحرفة!” مرآة تعكس حقيقة مؤلمة لا يمكن إنكارها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى