حكايات الصمت وظلال السكون
محمد الفضالي
في عالم تغمره السكينة، تتوقف الحياة عن عجلتها المحمومة، وتفسح المجال لأحاديث مختلفة، تلك التي لا تُقال بالكلمات بل بالهمسات الخفية. تنسحب الحركة شيئًا فشيئًا، تاركة المكان لصمت عميق يشبه بحيرة ساكنة، مرآة تعكس أفكارًا لم تجد طريقها للخروج.
حينما تنخفض الأصوات وتخفّ الحركة، يصبح كل شيء أكثر وضوحًا. الأشياء الصغيرة، التي كانت تغيب عن انتباهنا في زحمة النهار، تُعلن عن وجودها. صوت قطرات الماء وهي تتساقط برتابة، خشخشة ورقة تتحرك مع نسمة عابرة، أو حتى صدى خافت لأغنية بعيدة تأتي وكأنها رسالة من مكان آخر.
في تلك اللحظات، يصبح التأمل سيد المشهد. يعيد العقل ترتيب أحداث اليوم، يحاور الذكريات، ويتصالح مع اللحظات التي لم تمنحه الوقت لفهمها. هذا السكون يحمل في طياته لغة خاصة؛ لغة تحتاج فقط إلى قلب مستعد للإصغاء.
في الخارج، تكتسي الطبيعة بحلة مختلفة. الأشجار تستريح من صخب الرياح، وتبدو وكأنها تحرس المكان. النجوم فوقنا، التي ظلت كامنة طوال النهار، تخرج في مشهد يذكّرنا باتساع العالم وصِغر وجودنا فيه.
وهناك دائمًا ذلك الضوء البعيد، المصباح الذي يضيء نافذة في أفق بعيد. ربما شخص آخر يجلس مثلك الآن، يفكر أو يقرأ، يتساءل أو يحلم. ما أروع أن نعلم أننا لسنا وحدنا، حتى في أكثر الأوقات هدوءًا!
في لحظات كهذه، تُكتب الحكايات، وتُولد الأحلام. إنها اللحظات التي يصبح فيها العالم على حقيقته: بسيطًا، صادقًا، وعميقًا.