التعليق الرياضي بين التوازن المهني وتحديات الحياد الإعلامي
دابا ماروك
الوصف الرياضي في كرة القدم، كجزء من المشهد الإعلامي، لطالما كان له دور رئيسي في تقريب اللعبة إلى الجمهور، خصوصًا حين كان الواصفون الرياضيون يتمتعون بالمصداقية والاحترافية في نقل أطوار المباريات. الجيل الأول من هؤلاء الواصفين، سواء في الإذاعة أو التلفزيون، كان يشتهر بصدق وصفه وحماسه الكبير، حيث لم يكن ينحاز لطرف أو يُغفل أدق تفاصيل المباراة، إلا في حالات استثنائية عُرفت جيدًا لدى المتابعين، لا سيما في الإذاعة الوطنية.
التحول من الجيل الذهبي إلى الجيل الحالي:
مع مرور الزمن، رحل ذلك الجيل الذي كان يمزج بين الحرفية والشخصية القوية، ليحل محله جيل جديد يفتقر إلى التميز في الوصف. أصبحت التعليقات الرياضية أحيانًا بلا روح، يطغى عليها النمطية والتكرار. ومن اللافت أن أغلب المعلقين الجدد يظهرون وكأنهم مقيدون بقيود غير مرئية تمنعهم من انتقاد أداء الحكام أو التحدث عن الأمور الجدلية داخل المباريات.
هذا الضعف في الجرأة يثير تساؤلات حول طبيعة الضغوط التي يواجهها هؤلاء الواصفون. هل يعود السبب إلى مخاوفهم من توبيخ المسؤولين؟ أم أن المسألة مرتبطة بثقافة العمل الإعلامي الجديد التي باتت تُركز أكثر على كسب ودّ الجهات المسؤولة بدلاً من الانتصار للحقيقة؟
ظاهرة التحيز في التغطية الرياضية:
في بعض الأحيان، قد يلاحظ الجمهور تركيزًا خاصًا على تغطية أندية معينة، مما قد يُفسَّر على أنه ميلٌ لأسلوبٍ انتقائي في التعليق والتحليل. هذا التركيز لا يعني بالضرورة وجود نية مسبقة أو تأثيرات خارجية، لكنه يطرح تساؤلات حول مدى توازن التغطية بين مختلف الفرق، لا سيما تلك التي تُديرها شخصيات بارزة أو تتمتع بموارد مالية قوية.
مثل هذا الأسلوب قد يؤدي إلى انطباعات متباينة لدى المشاهدين، إذ يشعر البعض بأن الفرق الأخرى لا تحظى بالقدر نفسه من الاهتمام الإعلامي. الأمر الذي يستدعي تعزيز روح الحياد في الإعلام الرياضي لضمان التوازن، بما يعكس التنافسية العادلة التي تُعتبر أساس اللعبة. هذا التوازن هو المفتاح لاستعادة ثقة الجمهور وتعزيز مصداقية الواصفين الرياضيين كمصدرٍ محايدٍ وموثوقٍ للمعلومة.
أسباب فقدان الشخصية في الوصف الرياضي:
يمكن تلخيص الأسباب التي أدت إلى هذا الانحدار في وصف المباريات في عدة نقاط:
- الخوف من الانتقاد:
خشية الواصفين من انتقاد الحكام أو القرارات المثيرة للجدل قد تكون نتيجة لتوجيهات عليا تمنعهم من الخوض في هذه المواضيع، حفاظًا على العلاقات مع الجهات المنظمة أو الجامعة الوصية. - ضعف التدريب والتأهيل:
افتقار بعض الواصفين الجدد إلى الخبرة والدورات التدريبية المتخصصة، والتي كانت تميز جيل الرواد، يجعلهم يفتقرون إلى الثقة بالنفس والشخصية القوية. - التأثير المالي والسياسي:
الضغط من بعض الأندية ذات النفوذ المالي قد يدفع المعلقين إلى تجنب الحياد والانحياز بطريقة أو بأخرى. - التركيز على الشكل لا المضمون:
كثير من المعلقين الحاليين يُركزون على الإثارة الصوتية دون تقديم تحليلات عميقة أو وصف دقيق، مما يفرغ التعليق من قيمته الفنية.
الحاجة إلى إصلاح الإعلام الرياضي:
لتجاوز هذه الأزمة، يجب العمل على إصلاح الإعلام الرياضي وتحسين مستوى الواصفين من خلال:
- إعادة تأهيل المعلقين:
توفير دورات تدريبية مستمرة تُركز على تحسين مهاراتهم اللغوية، التحليلية، وتقنيات الوصف. - تعزيز الحرية الإعلامية:
السماح للواصفين بالتعبير عن آرائهم بموضوعية، حتى لو كانت انتقاداتهم موجهة للحكام أو الأندية ذات النفوذ. - مكافحة المحاباة:
وضع ضوابط واضحة تضمن حيادية الإعلام الرياضي، مع فرض رقابة مستقلة على الأداء الإعلامي. - إشراك الجمهور:
إعطاء الجمهور دورًا في تقييم أداء الواصفين الرياضيين، مما قد يدفعهم لتحسين أدائهم والتفاعل بشكل أفضل مع مشاعر المشاهدين.
خاتمة:
الواصف الرياضي ليس مجرد ناقل لأحداث المباراة؛ بل هو وسيط بين المشاهد واللعبة، يحمل مسؤولية كبيرة في تقديم وصف دقيق وموضوعي يعكس روح المنافسة. لذلك، فإن إصلاح الإعلام الرياضي أصبح ضرورة ملحّة، ليس فقط لتحسين جودة التعليق، بل أيضًا للحفاظ على مصداقية المنظومة الرياضية ككل. الجمهور اليوم بات أكثر وعيًا، ولن يقبل سوى بالشفافية والاحترافية في وصف اللعبة التي يعشقها.